كان يكفي أن تنطلق شائعة عن مكالمة هاتفية بين ناشطَين عونيين، لتتحول بعد ساعات إلى ما يشبه اليقين: «الجنرال عمل صورة الرئاسة». ومن فم الى أذن الى وسائل التواصل الاجتماعي، سادت أجواء من الفرحة في اليومين الماضيين لم يعهدها التيار الوطني الحر منذ عودة النائب ميشال عون الى لبنان. هل أنجزت الصورة فعلا؟ يضحك أحد المقربين من عون: «إنها موجودة منذ عام 1989!»
في الأيام القليلة الماضية، عجّت الرابية بالسياسيين والحزبيين والمغمورين الراغبين في حجز مكان لهم في «القصر الرئاسي». لا يكاد يخرج زائر حتى يدخل آخر، أجندة المواعيد ممتلئة الى ما بعد 25 أيار، وهاتف الجنرال يعبر البلدان والقارات مرات ومرات في اليوم الواحد. حتى منتصف الأسبوع الماضي، كانت الأجواء ضبابية في انتظار خرق ما، الى أن تلقت الرابية رسالتين سعوديتين إيجابيتين عبر أحد الوسطاء. وبرغم ان مضمونهما لا يتعلّق مباشرة باستعداد الرياض لدعم رئيس تكتل التغيير والاصلاح للوصول إلى رئاسة الجمهورية، إلا ان عونيين كثراً تعاملوا معهما كبشارة مؤكدة تمهّد لانتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا في مدة أقصاها أسبوعان. يتحدّث بعض زوار عون بثقة عن هذه «البشارة»، برغم أن مصادر الرابية تؤكد «استحالة التعويل على رسائل مماثلة، وخصوصا أن الجهة التي أرسلتها غير مؤثرة في الملف اللبناني، ولا هي ضليعة فيه».
الا أن ذلك لا يلغي، يقول المصدر، وجود مفاوضات أكثر من جدية بين التيار الوطني الحر والمستقبل من جهة، والتيار والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من جهة أخرى، وفيما يتولى الوزيران جبران باسيل والياس بو صعب المهمة السابقة، يحرص محيطون آخرون بالجنرال على إبقاء أنفسهم في دائرة الضوء عبر تسريب أخبار «مضخمة»، ونسبها إلى عون نفسه! وهنا تكثر الأحاديث عن توقيت موعد انتخابه في السابع من أيار، أي ذكرى عودته من المنفى، وابلاغه زواره حتمية نيله لقب رئيس الجمهورية الثالث عشر.
هل ما سبق حقيقة أم مجردّ ثرثرات؟ ينقسم العونيون مجددا بين مؤكد للخبر وناف له، فيما يلتزم عون الصمت.
يحرص أحد الوزراء السابقين على القفز فوق سطحية «الرسائل السعودية» لشرح تقاطع المصالح الدولية والاقليمية حول ضرورة انتخاب عون رئيسا: «ثبت للولايات المتحدة أن الاستقرار لا يرسو فعليا في غياب مكون رئيسي من المكونات الثلاثة، سنة وشيعة ومسيحيين، على أن يتمثلوا بقياداتهم الشرعية. فتجربة الحكومة السابقة أبرز مثال على فشل اي طرف في حكم لبنان في ظل غياب آخر، وهنا يصبح منطقياً تسلّم عون للموقع المسيحي الأول، ان كان الهدف اعادة تكوين السلطة». في الطريق الى الاستقرار «سينقسم البلد الى معتدلين ومتطرفين، لكن طرد التطرف في هذه الحالة يوازي سهولة انتشال التفاحة الفاسدة من السحارة. وهذا بالضبط ما يريده الأميركي، وما بدأ تطبيقه منذ فترة». أما النقطة الأهم، فتتمثل في استحالة «رسم استراتيجية دفاعية من دون التعاون مع حزب الله، للقضاء على داعش وأخواتها، وخصوصا بعد تحرير القلمون وتل كلخ». ولا يمكن لواشنطن تجاوز واقع الثقة المتبادلة بين حزب الله وعون، وقدرة الأخير وحده على تنفيذ أمر مماثل.
تخشى قوى 8 آذار هذه الإيجابية «المضخمة» وتداعياتها في حال فشل الصفقة المفترضة
تتلاقى أميركا والسعودية حول ايجابية وصول عون، ولو اختلفت مصالح كل منهما، بحسب مناصرين للجنرال: «يهم الأولى أن تنجز اتفاقاً شاملاً روسياً ـــ ايرانياً ــــ سورياً، ينعكس ايجابا في أفغانستان والعراق واسرائيل، فيما تقاتل السعودية لابقاء النفوذ السني في الدول العربية تحت سيطرتها. ويعرّض استمرار تنامي الحالات السنية المتطرفة حصة المملكة للتآكل والذوبان، ما يدفعها الى تأييد الاستقرار الأميركي»، الا أن ما يطمئن العونيين المتفائلين إلى «عدّ السعودية للعشرة» قبل خداعها الرابية، هو حرصها على حماية اتفاق الطائف أقله حاليا. ويؤكدون ذهاب عون هذه المرة في معركته حتى النهاية واستعداده لطرح الصدقية في النظام بأكمله… واسقاطه». كل هذه النقاط والنتائج المترتبة على تغييب التمثيل المسيحي هذه المرة «تجعل من ميشال عون رئيسا». ويُجمع الأميركيون والسعوديون على أن «منح قوى 8 آذار مطلبها اليوم أقل ضررا من التعويل على فراغ قد يضاعف مكاسبها لاحقا، وبالتالي مطالبها».
لم يبلغ يوما تفاؤل بعض زوار الرابية ونوابها ووزرائها وناشطيها وقاعدتها الحدّ الذي يعبرّ عنه الجميع اليوم: عون على ثقة بأنه الأفضل حظا اليوم والأقوى مسيحيا. بعض المناصرين يعدّون العدّة لاطلالة «عمادهم» مجددا عبر شرفة بعبدا، وقد أنهوا للتو أغنية رئاسية تبدأ بـ «قدا قدا قدا وحدو هوي قدا القصر بدو رجال يسكن قصر بعبدا… بدا بدا بدا هيدي الكرسي بدا رئيس تستند عليه مش فيها يتهدى… عون رئيس وطنا». وفي طيات الأغنية، رسالة الى معراب: «الرئيس لي جايي من جيشي يكون جايي متل عون القائد ما يكون ميليشياوي». سريعا انتشرت الأغنية في السيارات وعلى الفايسبوك، على أمل أن تصدح بها الحناجر في بعبدا: «زوروا بعبدا زيارة رح تحكي اسرارا… لعون حجار القصر، اشتاقت والله حجارا».
تحار قوى 8 آذار في كيفية التعامل مع هذه الايجابية العونية «المضخمة» ومع تداعياتها في حال فشل الصفقة المفترضة. وحتى يوم أمس، كانت تكرر تأكيدها «ضمان حزب الله تصويت نواب 8 آذار لعون»، من دون أن يعني ذلك حسم فوزه بالرئاسة. وبالتالي «أي كلام عن حتمية الفوز يضرّ أكثر مما ينفع، وخصوصا أن الموقف السعودي لا يزال رماديا». في المقابل، هناك من يستهزئ بتصديق البعض انجرار قائد الجيش السابق، ورئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية وراء وعود فارغة: قد يكون تسريب الأجواء الايجابية جزءاً من لعبة الخصم لاحراق عون تماما كما أحرق جعجع نفسه بنفسه. وقد يكون متعمدا ويأتي في اطار انتقال الرابية من حالة الترقب الى المبادرة، ما استدعى رميها بالونات الاختبار عشية احتراق جعجع لمفاوضة السعودية وتيار المستقبل فوق رماده… أو أقله جرّهما الى موقف واضح لتبيان الخيط الأبيض من الأسود، وبناء على الشيء مقتضاه.