لم يكن مضى يومان على إلغاء الإحتفال بالذكرى الـ 69 لتأسيس الجيش اللبناني، بقرار سياسي لافت وواضح، حتى واجه هذا الجيش، تحدياً بالغ الخطورة في منطقة البقاع الشمالي، وتحديداً في عرسال – التي تحتضن المؤسسة العسكرية عدداً غير قليل من أبنائها0 فسقط منه عدد من الشهداء والجرحى، في مواجهة مع مسلحين سوريين مقيمين في عرسال وفي جرودها، على خلفية توقيف الجيش أحد قادة «جبهة النصرة» عماد أحمد جمعة، السوري الجنسية…
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فسريعاً جداً توسعت العملية وأخذت في مناطق معينة أبعاداً بالغة الخطورة، في ظل تعقيدات سياسية عطّلت إنتاج رئيس جديد للجمهورية، وشلّت مجلس النواب، ووضعت الحكومة («حكومة المصلحة الوطنية») في موقع حرج للغاية، ما هدّد سائر مؤسسات الدولة بالشلل، والتفكك…
ليس من شك في أن ما جرى في عرسال وجرودها، لم يكن وليد اللحظة، وبحسب قائد الجيش العماد جان قهوجي، فإن ما حصل كان محضر له منذ زمن طويل، بدليل الإعترافات التي أقر بها الموقوف جمعة، الذي كشف عن تحضيرات كبيرة للقيام بعمليات إرهابية في غير منطقة من لبنان…
وليس من شك أيضاً، إن ما جرى، وما يمكن أن يجري، هو أكثر تعقيداً وأكثر خطورة مما يعتقد كثيرون، أو مما إعتاد البعض أن يسوقه الى الرأي العام، على أنه جزء من إزدواجية المعايير والمقاييس التي هي في صلب الإتهامات التي لم تتوقف منذ زمن غير قصير للمؤسسة العسكرية، التي على أكتاف رجالاتها، صمد إستقرار لبنان وأمنه في مواجهة التحديات، بل والإستفزازات المتنقلة، ناهيك بالدور المركزي على الحدود الجنوبية…
من الخطورة بمكان تسويق ما جرى في اليومين الماضيين، على أنه نتاج سياسة منحازة للمؤسسة العسكرية، بل هو نتاج لفشل السياسيين ولجوئهم الى تعطيل المؤسسات، بانتظار تطورات إقليمية ما…
من أسف، أن الجميع يطلبون من الجيش كل شيء، ولا يقدمون شيئاً سوى «الكلام» الذي يجر الكلام، و «الجعجعة» التي لا تنتج طحيناً… وفي هذا يؤكد مطلعون أن المؤسسة العسكرية، التي يربط ضباطها ورتباؤها وأفرادها الليالي بالنهارات، وهم يتابعون على الأرض مسؤوليتهم، باتت تفتقد الي الحد الأدنى لاستكمال مهماتها، سواء على الحدود الجنوبية مع الكيان الإسرائيلي، أم على إمتداد الحدود البرية مع سوريا… من غير أن يظهر على رجال السياسة، من نواب ووزراء، وأحزاب وتيارات وجمعيات ما يؤشر على أي إهتمام ومتابعة وملاحقة… فالجميع يؤيد الجيش مادام يلبي طلباته، وإلاّ ينقلب عليه، ولو بانتقال السيناريوات التي تقود الى الفتنة وتعريض المؤسسات كافة الى مخاطر حقيقية… ومع هذا، فقد ترك كلام قائد الجيش العماد جان قهوجي، بعد ظهر أمس، إرتياحاً واسعاً لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين الذين تابعوه بدقة وهو يؤكد أن المؤسسة العسكرية لن تسمح بأن يكون رجالاتها رهينة بأيدي أي أحد، وبأن الجيش لن يسكت عن أي إستهداف يطاول الجيش وأبناء بلدة عرسال، ولن يسمح لأي طرف بأن ينقل المعركة من سوريا الى لبنان…
الواضح الى الآن، أن بعض «الخروقات» في سقف المظلة السياسية الواقية والمواكبة لحركة الجيش، خصوصاً من عاصمة الشمال طرابلس، في خطاب لم يلق تجاوباً من الأفرقاء السياسيين كافة، ولم يحظ بتأييد سياسي…. وحسناً فعل «تيار المستقبل» الذي «تابعت قيادته بتوجيهات من الرئيس سعد الحريري التطورات الأمنية والعسكرية التي شهدتها منطقة عرسال… »، ورأى ان الإعتداءات المسلحة التي إستهدفت مواقع الجيش اللبناني «عمل إجرامي لا يمت الى الثورة السورية، واهدافها بأي صلة، بل يسيء اليها ويصيبها في الصميم…» مؤكداً «الدعم المطلق للمؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية في تصديها للأعمال الإجرامية ولكل الظواهر الشاذة…».
من غريب المصادفات، أن تأتي هذه التطورات متقاطعة مع المؤتمر الصحافي لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط (بعد جولة في منطقة الشويفات دير قوبل) الذي رأى «ان الآتي أصعب من الذي سبق…»، وقافزا من فوق الحواجز، داعياً الى «التعاون بين الرئيس سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله… والكف عن مقولة لولا تدخل حزب الله في سوريا هو من أتى بالإرهاب الى لبنان فهي مقولة غير صحيحة… فالمطلوب الحوار بين الجميع من أجل حماية لبنان من هذا الفكر الظلامي الذي أتى من الجاهلية..».
ليس هذا وحسب، فلقد كشفت حادثة عرسال، على خطورتها، وعلى ما يمكن أن تقود إليه، عن قراءات جديدة إضافية لأفرقاء في 14 آذار… حيث أكد النائب بطرس حرب، «ان الثوار المزعومين الذين استباحوا عرسال، المدينة التي إحتضنت أهلهم، يرتكبون جريمة كبرى… لا تغشفر، تفرض على الجميع في لبنان الوقوف صفاً واحداً وراء، القوات المسلحة الشرعية اللبنانية..» داعياً القوى السياسية والأحزاب والتيارات اللبنانية كافة الى وعي خطورة ما جرى ويجري… والى ابداء موقف موحد في دعم السلطات الشرعية في ما تقوم به من تدابير…» ومنبهاً الى «خطورة المواقف الفئوية والخطاب المرتكز على إثارة الغرائز الفئوية والمذهبية…»؟!
يبقى أن كرة المسؤولية الكبرى هي في ملعب الحكومة التي ستعقد جلسة اليوم محورها ما جرى وما يمكن أن يجري وإن كان الرئيس تمام سلام سبق الجلسة وأكد أن الدولة… لن تتهاون في حماية أبنائها مدنيين كانوا أم عسكريين..
إنه إمتحان مصيري… وعلى نتائجه يتوقف بقاء الدولة وسائر مؤسساتها أو تفككها؟!.