مؤسسات التصنيف الدولية التي تعرضت الثقة بصدقيتها للتشكيك لدى نشوب الازمة المالية العالمية عندما منحت مصرف ليمان براذرز وشركة AIG للتأمين أعلى درجات الثقة، وظهر في ما بعد وخلال فترة قصيرة ان المصرف أفلس وكان افلاسه الأكبر في العالم، كما أن شركة التأمين بالكاد انقذت بضخ معونات فيديرالية تجاوزت المئة مليار دولار.
والتشكيك في مؤسسات التصنيف تزايد مع توسع المعرفة لكون هذه الشركات تتقاضى رسوماً باهظة لتصنيف المصارف، والشركات الصناعية الكبيرة، وشركات التأمين، وشركات الوصاية المالية الخ، وتمنح العلامات الممتازة للشركات الاسخى. بكلام آخر، لا صدقية لهذه المؤسسات وبات من المعلوم ان احدى هذه المؤسسات فرضت عليها غرامة بمقدار 500 مليون دولار، ولا تزال التحقيقات جارية مع تسرب انباء عن ان هذه الشركة قد تواجه غرامة مقدارها خمسة مليارات دولار وحينئذٍ تفلس كما افلس بنك ليمان براذرز.
معلوم ان مؤسسات التصنيف تعتمد مقاييس شمولية لتقويم مخاطر ديون البلدان ومخاطر الاحتفاظ بعملاتها والمقياس المعتمد الى حد بعيد، نسبة الدين العام الى حجم الدخل القومي. وفي رأي خبراء مؤسسات التصنيف أنه كلما ارتفعت هذه النسبة عن 100 في المئة صار البلد المعني مهدداً بارتفاع الفوائد على مقترضاته، وربما بتدهور سعر عملته.
وكان تحديد هذا المقياس يجري حتى اليوم بمراجعة حجم الدين العام، وهذا يحدد برقم انما هذا الرقم قد يتبدل، وهو عرضة لمقدار من التحليل. فكلما ارتفعت نسبة الدين بالعملة المحلية، ابتعد شبح الافلاس عن البلد المعني، وقد تتزايد مخاطر هبوط سعر صرف العملة المعنية.
وحديثاً تكاثرت التعليقات التي تشكك في صحة تقديرات ارقام حجم الدخل القومي، وكانت البداية منذ سنوات بادخال مفهوم القدرة الشرائية لمعدلات دخل الافراد من اجل تفحص مستوى الدخل القومي بالمقارنة مع بلدان اخرى، ولهذا السبب مثلاً صرنا نقرأ عن معدل للدخل الفردي في لبنان يزيد على 13500 دولار سنوياً، قياساً بتكاليف المعيشة.
كذلك صارت ارقام الدخل القومي بالدولار هي أيضاً عرضة للتشكيك. فثمة اقتناع بان ما يسمى الاقتصاد الاسود، أي النشاط الاقتصادي الذي يتجاوز مستوجبات التسجيل الاحصائية، قد يتجاوز نسبة 35 في المئة من ارقام الدخل القومي الرسمية، التي تعتمد لتحديد نسبة الدين العام الى الدخل القومي، والتي يفترض بحسب الاحصاءات الرسمية ان تكون حالياً على مستوى 142 في المئة.
اذا اعتمدنا نسبة 35 في المئة للاقتصاد غير المدرج احصائياً، يصير مستوى الدين العام- الموازي لـ63 مليار دولار- بالنسبة الى الدخل القومي نحو 105 في المئة بدل 142 في المئة في لبنان.
هذه المقارنة، مع استمرار قدرتنا على الاقتراض مقابل فوائد معقولة وتقل أحياناً عن معدلات تدفعها بلدان تحظى بمعدلات ادنى للدين العام تجاه الدخل القومي، يجب ألا تشجعنا على التبذير.
فالمؤشر الاهم هو معدل النمو وهذا المعدل لم يتجاوز الـ1٫5 في المئة عام 2013، وربما 2 في المئة عام 2012، وحيث ان عدد السكان يتزايد بهذه النسبة لا يكون هنالك بالفعل تزايد في معدل الدخل الفردي الموازي لمجموع الدخل القومي موزعاً على سكان لبنان.
من المؤكد أن حاجتنا الملحة هي الى زيادة الدخل بوتيرة اسرع والوتيرة المنخفضة اصلاً تحققت فقط نتيجة اقرار مصرف لبنان برامج تسليف تشجيعية، وبرامج كهذه لا يمكن الاستمرار فيها الى ما شاء الله، بل يجب ان تستبدل ببرامج تدفع حماسة الناس الى تحقيق المشاريع، واختراقهم أسواقاً جديدة سواء في الداخل او الخارج.
ويزيد من حراجة الموقف، ولبنان يعتمد في معاملاته اليومية على الدولار بنسبة 60-65 في المئة من الانفاق والادخار، ان السلطة النقدية المسيطرة على الدولار تتصرف دونما اعتبار لمصالح الدول الاخرى.
فاستناداً إلى مجلة “الايكونوميست” الصادرة الجمعة 4/7/2014، تتبنى السلطات المالية في الولايات المتحدة سياسات عقابية تجاه المؤسسات التي ترتكب أي مخالفة بموجب التشريعات الاميركية المستجدة او التي هي قيد الاعداد. وآخر مثل على ذلك تكليف اكبر مصرف فرنسي غرامة مقدارها 8٫9 مليارات دولار، لتسهيله تصدير النفط من ايران الى بلدان رفعتها الولايات المتحدة من لوائح الحظر منذ ستة اشهر، لكن نشاط المصرف سبق ذلك فناله العقاب. والسلطات الاميركية عاقبت البنك على تعامله مع كوبا، علماً بان للولايات المتحدة قاعدة في كوبا منذ عشرات السنين ولا تقبل اطلاقاً بتفكيكها او نقلها، ومع ذلك تمنع التعامل مع كوبا.
ان الاجراءات القانونية الاميركية تدفع الدول ومنها لبنان الى الابتعاد عن التعامل بالدولار – وخصوصاً لفتح الاعتمادات – قدر الامكان، وهذا الامر لا بد ان يؤدي الى بروز عراقيل في الحركة التجارية، ومحاولة انتقال الى عملات اخرى وهذا ليس بالامر اليسير.
لذا بات علينا واجب الاحتياط بالنسبة الى استعمال الدولار، الامر الذي يساهم ولو بنسبة قليلة في تأخير النمو وتجاوز مرحلة الانكماش التي نواجهها.