IMLebanon

أخطر من التطرّف… و”داعش”!

يكفي ان تهتز الحالة الأمنية في البلد، معطوفة على تطورات محلية وإقليمية، حتى يتراجع الملف الاجتماعي الى آخر الاهتمامات. ولعل ما حصل الجمعة من تفجير وما صاحبه من إجراءات أمنية في بيروت والمناطق، إن دل على شيئ، فهو وضع كل القضايا الاجتماعية جانباً، وأبرزها مطالب هيئة التنسيق النقابية بإقرار سلسلة الرتب والرواتب بما يضمن حقوق كل القطاعات. لذا سيتحجج المعنيون بأن الأوضاع غير مؤاتية لا أمنياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً لإقرار مشروع سلسلة يحمل البلد أعباء إضافية هو بغنى عنها، وبالتالي على المعلمين العودة عن قرارهم مقاطعة التصحيح، وعلى الإداريين التوقف عن شل القطاع العام ومؤسساته، الى ان تتيح الظروف إقرار سلسلة لا تؤدي الى انهيار الاقتصاد.

وكأن هيئة التنسيق النقابية بأركانها ومكوناتها، باتت مقتنعة بأن كل ما يحصل ضدها، محلياً وإقليمياً وفي الدول القريبة، وكأن خياراتها في التحرك باتت ضئيلة، وإن كانت تمسك بملفات ضاغطة، أبرزها التصحيح، الى الإضرابات والاعتصامات في الإدارات والمؤسسات. لكن مخاوفها، تبقى في تحويل هذه الملفات الى عناصر ضدها، أولاً بتأليب الرأي العام عليها، ووضعها في مواجهة الأهل والناس، في وضع لا يحتمل البلد اي توترات أو خضات امنية، ولا حتى اجتماعية. وسيقال للهيئة أن الموسم السياحي بات في خطر، وأن على الجميع التكاتف لمواجهة ما يأتي من الخارج، ومنع التطرف من ان يصل الى لبنان، على شكل “داعش” أو غيره، وأن كل الاهتمامات يجب أن تنصب على مواجهة العدو الجديد الآتي الينا من اصقاع الأرض، ولا مجال لا لتحرك مطلبي هنا أو لديموقراطية من هناك، كي لا يتحول لبنان ارضاً محروقة!

أما في الواقع، لا يبدو أن هيئة التنسيق ستتراجع، هي ستصعد تحركها الى أن تقر السلسلة. وما يخفيه البعض تحت ستار شعارات كبرى، أي لفلفة المطالب الاجتماعية لمواجهة الخطر الآتي من الخارج، ليس واقعياً في بلد اعتاد على الأزمات، ولا ينقذه الا وجود مؤسسات متماسكة في كنف الدولة، وقوى نقابية واجتماعية عابرة للمذاهب والطوائف. ومن هنا لا يمكن تأجيل البحث في مشروع سلسلة الرتب والرواتب، فإقراره جزء من تحصين الوضع الاجتماعي في مواجهة التطرف، كما دعم التعليم الرسمي جزء من عملية إعداد التلامذة في كنف الدولة الوطنية والمؤسسات، كي لا يتسرب الأولاد الى زواريب التعليم الضيق والمتمذهب الذي ينتج أخطر من “داعش” وغيره من الظاهرات المتطرفة.

وإلى أن يقتنع الجميع بتسوية للموضوع، لا بد من التنبيه الى ان عدم الاكتراث للملف الاجتماعي والتعليمي وإهماله، وإن كانت المطالب ترتكز على تحسين الرواتب والأجور، يزيد الأمور تعقيداً وأزمات على الناس والدولة معاً!