IMLebanon

أخلاق.. وحداثة!

 

يكيد بشار الأسد العالم على ما قال عبدالحليم خدام بالأمس.. لكن كيده ذاك كان بدأ منذ الأيام الأولى للثورة السورية واشتمل على الجميع من دون استثناء. وهو كيد منظّم وجزء من مدوّنة سلوك شاملة تتضمّن العدّة الطبيعية لأنظمة الطاغوت والطغيان أينما كانت.

وتلك المدوّنة قائمة على أساس واحد هو اعتماد العنف بكل أشكاله وأنواعه وضروبه للبقاء في السلطة والبطش بمَن يتحدّاها أو يفكّر في ذلك. لكنها، وللمفارقة، تشتمل أيضاً على هوس استثنائي باستعارة الأشكال المحرِّكة للأنظمة الديموقراطية بكل مقاييسها، بدءاً من إلباس الجسم الديكتاتوري ثوباً تحرّرياً. والطقوس القمعية الهمجية قمصاناً مطرّزة بأنبل الشعارات والمصطلحات الدالّة إلى السعادة والرفاه والتقدّم والتنوير.. إلخ، وصولاً إلى اعتماد صندوق الانتخاب وبكثافة كاريكاتيرية لتأكيد «شرعيّة» القمع والإكراه والنبذ والإقصاء والإلغاء والقتل والنفي ومصادرة الأملاك وانتهاك الكرامات وتفطيس كل حسّ نقدي، وإغلاق كل فم سيّال، وقطع كل لسان طويل! وكل يد حرّة، وكل فكرة مضادّة، ولو كانت عابرة في فضاء الاستبداد، عبوراً غير ملحوظ.

قبل الآن بقليل، ظنّت البشرية أنّها دخلت في طور حداثي جديد بعد انكشاف خواء المعسكر الاشتراكي العظيم وانهياره (الحتمي) أمام التطوّر الطبيعي للناس والأشياء.. وبعد تقديم كارل ماركس (بنفسه!) طلب لجوء إلى العولمة الليبرالية. وذهاب فلاديمير إيليتش لينين إلى المكتبة الوطنية في ليننغراد لتمزيق كتب التاريخ التي تحكي عنه وعن بلاشفته و«ثورته» الاوكتوبرية، ثمّ وضعه كتاب «الندامة» في موضعها ومكانها.. ظنّت البشرية في ضوء تلك المراجعة النقدية الشجاعة (!) انّ الأنظمة المتناسلة من ولادات النصف الأول للقرن العشرين وأفكاره وأزماته المتوارثة عن تراكمات القرن التاسع عشر وما حملته الثورة الصناعية من تغييرات شرسة وأسواق أكثر شراسة.. ظنّت أنّ تلك الأنظمة صارت جزءاً من التاريخ العالمي الكئيب والقاتم.. ومنارات مشعّة تدلّ التائهين إلى مكامن العتمة وتطلب منهم تفاديها، وأمثلة لا بد من النظر إليها وبتمعّن، للبناء على أضدادها ونقائضها!

.. ظنّت البشرية انّ ذلك الطور الحداثي الجديد الذي دخلته معظم دول الأرض وشعوبها سيصل حُكماً وحتماً إلى نواحينا، لكن الظنّ كان خائباً: يكفي ما حصل ويحصل في سوريا وحدها للدلالة على ذلك!.. تكفي نكبة السوريين للقول إنّ عالم اليوم تحكمه «أخلاق» القرون الوسطى.. ولا شيء آخر.