أزمة العراق تلامس الخطوط الحمر لحزب الله
ولن يسمح بتجاوزها عمليّة عسكريّة لبنانيّة ــ سوريّة إستباقيّة لعزل الحدود الشرقيّة
فيما تستمر المراوحة التي ستطبع اسبوعا جديدا من الاستحقاقات الرئاسية والتشريعية من دون حلول، ولا حتى مؤشرات في اتجاه احداث خرق ولو نسبي في ملفي الانتخابات الرئاسية والتوافق على اقرار سلسلة الرتب والرواتب، وان تكن سجلت في الوقت الضائع حركة ظاهرة لرؤساء بعض الكتل النيابية بحثا عن مخرج يوفر اقرار السلسلة، تتزايد المخاوف من تداعيات الازمة العراقية المفتوحة على كل الاحتمالات بحسب مصادر متابعة للحركات الارهابية في ظل المنحى الطائفي والمذهبي الذي بدأت تتخذه والكلام عن انتفاضة سنية في مواجهة القهر والتهميش الممارسين من الحكم الشيعي بقيادة المالكي، وارتفاع منسوب التحذيرات الدولية من احتمال انتقال الصراع الى دول الجوار التي يشكل لبنان احدى خاصراتها الرخوة.
فالتنظيم تضيف المصادر الذي استطاع خلال ايام قليلة قلب المعادلات في العراق والمنطقة لا يخفي سعيه لايجاد موطىء قدم له في الدول المجاورة، بهدف تعزيز نفوذه وتأمين خطوط إمداده، وإنشاء قواعد قادرة على مساعدته في تحقيق أهدافه. وبحسب المتداول فان ابو بكر البغدادي قرر عدم التمركز في موقع واحد بل التمدد إلى الدول القريبة من سورية والعراق، وتحديداً الأردن ولبنان وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في مصر، ويتحسب بكثير من الريبة لـ «تحول الحرب على الإرهاب مطلباً إقليمياً وأوروبياً».
تمدد يسعى افراد التنظيم تقول المصادر من خلاله الى حل أزمته الناجمة عن اصطدامه مع تنظيم القاعدة، نتيجة الخلافات بينه وبين جبهة النصرة التي تعتبرها القاعدة ذراعها الرسمية في سورية، في استراتيجية لا تتضمن صلحاً أو تسوية مع «جبهة النصرة»، لايمانهم بقدرتهم على السيطرة على حيز جغرافي يجيز لهم إقامة «إمارة إسلامية» يتوجب على بقية التنظيمات الخضوع لها، مع يقينهم في الوقت ذاته من أن استمرارهم في الصدام مع التنظيمات الجهادية المرتبطة بـ«القاعدة» سيؤدي إلى نهاية تنظيمهم، وبالتالي فإنهم يسعون إلى التمدد نحو دول أخرى تحسباً لذلك.
غير ان هذه القراءة ،دونها صعوبات كبيرة بحسب المصادر، فالأردن لا يتردد في استخدام القوة ضد أي خرق لحدوده مع سوريا والحزم ضد أي تحرك مشبوه في الداخل، كما أن مصر ستصعد من الحرب ضد التنظيمات الجهادية في سيناء مع انطلاق عهد عبد الفتاح السيسي المعروف بحزمه وصلابته، فيما قطاع غزة يئن من الحصار الاسرائيلي ولم تعد حركة «حماس» تحكمه لتشكل غطاء لأي مجموعات متطرفة، كما أن الجيش المصري لن يسمح بتحول الحدود بين القطاع وسيناء مرتعاً للجهاديين، ولبنان يخوض حرباً ضد الإرهاب وينفذ خططاً أمنية في مختلف المناطق لمنع إقامة ملاذات آمنة للجهاديين.
مصادر في 8 آذار لفتت الى ان الاخير اصبح مطلباً عالمياً، على ضوء مجريات التطورات العراقية، ولم يعد يقتصر وجوده وتداعيات وجوده على لبنان فقط بل دخل ضمن معادلة الشرق الاوسط من الباب العريض، وهو ما اكدت عليه تصريحات وزير الخارجية الاميركي في بيروت، مضيفة ان التدخل في سوريا شكل الضمانة الوحيدة لوقف تمدُّد التكفيريين وتنظيم القاعدة والدولة الاسلامية في العراق والشام لاقامة ولايتها، مشيرة الى ان الاحداث العراقية اكدت عدم قدرة الاميركيين والاوروبيين على القيام بعمليات دفاع آنية، لذلك فان تنامي وجود الجهاديين وتعاظُم قوتهم في سوريا والعراق سيؤمنان الدعم اللازم لتنشيط الجهاديين في القارة العجوز وكذلك في الولايات المتحدة وكندا، الامر الذي يفترض محاربة الدولة الاسلامية «داعش» وجبهة النصرة في بلاد الشام لقطع الدعم والتواصل وضرب اصل المصادر، من هنا يأتي تلاقي المصالح الذي تجده الولايات المتحدة ضرورياً للتناغم مع هدف الحزب في سوريا، فتدهور الوضع في العراق إلى جانب الحرب الدائرة في سوريا من شأنه أن يزيد من التنسيق الأميركي – الإيراني في الشرق الأوسط.
وتابعت المصادر ان تداعيات ما يجري تتخطى الوضع الامني الخارج عن سيطرة الحكومة العراقية ،لتكاد تلامس الخطوط الحمر التي لن يسمح الحزب بتجاوزها كونها تشكل تهديدا وجوديا له ،عبر كسرها لخطوط امداده الاستراتيجية الخلفية واختراقا اساسيا لدول محور الممانعة ، ما قد يغيّر طبيعة الصراع في المنطقة بشكل كامل، ويهدد بالاطاحة بكل الانجازات التي تحققت من مشاركته في الحرب السورية، فضلا عن المخاوف من عودة شبح التفجيرات الإنتحارية الى المناطق التي تشكل بيئة الحزب، في ظل التقارير المتلاحقة عن خلايا نائمة جار ايقاظها لتتحرك في اللحظة المناسبة، خاصة ان الارضية اللبنانية مؤهلة لان تكون ارضا خصبة للصراع الشيعي- السني رغم كل المحاولات الي قام بها الحزب والتنازلات التي قدمها في اكثر من محطة، في ظل تفسيرات تفترض قيام تحالف سني في المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية في مواجهة التحالف الشيعي الذي تقوده إيران.
من جهتها اكدت مصادر سياسية متابعة ان حزب الله انشأ غرفة عمليات لدراسة وتقويم الوضع العسكري في العراق قبل اتخاذ أي قرارات، يتبع لها حوالى 30 ألف مقاتل على استعداد تام لأي تحرّك عسكري، من أجل مواجهة التطوّرات العراقية ، بعد تلقّيه معلومات خطيرة حول تحالف سني واسع يسيطر الآن على المحافظات العراقية ديالى، صلاح الدين ومعظم كركوك، لن يبقى لبنان بمنأى عمّا يحدث في المنطقة، خاصة ان الاحداث العراقية اتت بعدما شعر حزب الله بالإرتياح لفوز المالكي في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة وإعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد لولاية ثالثة.
فبعد نجاح الحزب تضيف المصادر في قطع الطريق على الجماعات المسلحة على طول الحدود في الفترة الماضية،شكلت فلول المسلحين المتمركزين في المناطق الجبلية مصدر قلق للحزب ، فحسم معركة القلمون الذي ساهم الى حد كبير في ضبط الوضع الامني في لبنان، لم يمنع آلاف المسلحين المنتشرين في المناطق الجبلية من القيام بعمليات عسكرية داخل الحدود اللبنانية وعبرها سواء عبر اطلاق الصواريخ من وقت لآخر او عبر محاولتهم التمدد باتجاه النبي الشيت حيث اصطدموا بمقاومة عنيفة من حزب الله، او عبر قيامهم بالتسلل الى الداخل السوري وتنفيذ عمليات عسكرية.
وعليه وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانية اتفق في مرحلة اولى على تنفيذ الخطة الامنية في البقاع التي كان هدفها الاساس دخول الجيش الى عرسال والطفيل الحدوديتين اللتين كانتا تشكلان المعبر الاساس لتلك الجماعات وما عرف بالبيئة الحاضنة، واعطاءه حرية الحركة بما يسمح له بتوجيه ضربات نوعية للمسلحين المنتشرين في المنطقة.
وعليه تقول المصادر ان قوات من الجيش السوري ومن حزب الله بدأت خلال الساعات الماضية، بتمشيط للمناطق المحاذية للحدود اللبنانية الشرقية سعيا لحصر المسلحين المنتشرين في الجبال في رقعة جغرافية ضيقة على ان يصار بعدها الى التعامل معهم،في خطة استباقية، سرعتها الاحداث العراقية، والمخاوف من استغلال التنظيمات المسلحة لانسحاب المتطوعين لاحداث تغيير في موازين القوى، بعد سلسلة عمليات جس نبض متتالية خلال الايام الماضية والتي كانت آخرها عملية رنكوس.
وكانت تقارير استخباراتية ابلغت الى القيادة السورية اشارت الى عزم آلاف المقاتلين المنتشرين في جرود عرسال والمزودين باسلحة متوسطة وثقيلة من دبابات ومدرعات « شيلكا» ومضادات مثبتة على أليات رباعية الدفع ، إعادة فتح جبهة القلمون واستعادة بعض المناطق التي خسروها، والعمل على ربط محافظتي الجنوب درعا والقنيطرة، حيث بلغ عدد الثوار المقاتلين هناك 30 ألفاً، وإخراج المحافظتين كلياً من تحت سيطرة القوات السورية.