بلاد الارز صارت مضرب المثل في عالم الفساد. ولو كان هناك من أمان يعطى لممثلي الرأي العام لكان قيل الكثير والكثير عن حالات الاثراء غير المشروع. والطامة الكبرى ان هذا النهب الفالت على غاربه للمال العام يأتي في ظل هجمة للتوظيف ولزيادات الرواتب في القطاع العام الذي يئن من ثقل الخواء في الخزينة العامة بفعل عوامل عدة، لكن أبرزها أن من بيده مقادير هذا القطاع لا يترك فرصة كي يراكم ثرواته التي صارت أنباؤها أشبه بالأساطير بسبب حجمها الذي لا يمكن تصديقه!
سمع كاتب هذه السطور من وزير سابق ان مسؤولاً كبيراً كان لديه منذ سبعة أعوام رصيد يبلغ 470 مليون يورو في احد المصارف الاوروبية وهذا جزء من ثروة هذا المسؤول الذي لم يكن يوماً من أرباب الاعمال أو الابداع بل كان منذ سنين طويلة مسؤولاً. أما ثروته فقد تجاوزت المليار دولار دون ذكر ثروات الزوجة والابناء والاقارب ومن كان من ذوي الحظوة. وهذا المسؤول الذي يتمتع بشهية لا نظير لها في التنعم بالمال العام يحظى بشهرة لا حد لها في المحاضرة في التزام القانون. وفي اللحظة التي يتجرأ فيها احد على التلميح إلى اسمه سيكون “القانون” له في المرصاد وذلك لسبب بسيط: ليس هناك في الجمهورية من يعمل في الشأن العام من هو “فوق الغربال”!
رب قائل ان الفساد غير محصور بطائفة أو مذهب أو اتجاه سياسي. بالتأكيد إن هذا القول مصيب. ولمن يريد الوضوح يمكن القول أن روائح فاحت وتفوح من ضفتي 8 و14 آذار إلى درجة ان قصة المسؤول الكبير هناك مثلها في عالم الهمس حول ثروات أبطال على الضفتين. والأهم من كل ذلك أن التلطي وراء قضايا المنطقة صار لعبة مكشوفة لأن الخصومة اقليمياً يرافقها ود داخلي. وآخر المآثر يتعلق بسعي الى الانقضاض على اتفاقات سابقة على مستوى الدولة من أجل الحصول على مساعدات خليجية في عالم الطاقة كي يخلو الجوّ للسمسرات مجدداً.
كم هو مضحك مبكي هذا الصراخ المطلبي الذي يأخذ مئات الألوف من الطلاب رهائن من أجل الحصول على المطالب التي تعني إنفاقاً من خزينة خاوية وبالتالي الذهاب الى جيوب ملايين من اللبنانيين الذين يسألون الخالق خبزاً كفاف اليوم. لا يا سادة… إنكم تبحثون في الجيوب الخطأ. لن يسامحكم اللبنانيون بكثرتهم الساحقة اذا لمستم الاستقرار النقدي الذي بقي وحده الملاذ في زمن الشحائح. اذا اردتم نصيحة عليكم بيجوب ناهبي المال العام الذين لم يراودهم خجلاً من ان يستمروا في نهب هذا المال الى ما لا نهاية. هل تعلمون أن ثروة هذا المسؤول او ذاك، والتي لا بد ان يأتي يوم وتنكشف اسرارها كفيلة بتمويل سلسلة الرتب والرواتب الى ولد الولد؟ من المؤكد ان هناك على رأس الحركة المطلبية من يعلم ما يشير اليه السؤال، لكن المصيبة ان شجاعته تخذله اذا ما أضطر الى توضيح هوية الحيتان. فتشوا عن الناهبين وارحموا المنهوبين.