هذا أسبوع الخيبات اللبنانية بالجملة. المسيحيون يواجهون الهبوط الاضطراري في آمالهم المعقودة على صفقة سياسية تعيد إليهم دورهم الفاعل في النظام السياسي أو شراكتهم الوازنة على الأقل من خلال انتخاب رئيس من قوة سياسية شعبية فعلية.
جمهور “هيئة التنسيق النقابية” والمتعاطفون معها في معركة تصحيح الأجور أو في تحقيق بعض السوابق لفتح ملفات الفساد والاستيلاء على المال العام وكبح جماح الامتيازات لأصحاب النفوذ سيشعرون كذلك أن الطغمة الحاكمة بجناحيها الاقتصادي والسياسي تحاصرهم وتفرض خيارات شرعنة تسوية تقوم على الحفاظ على الامتيازات وعدم الخوض في الإصلاح وتلبية مطالب بحدود دون طموحات أصحابها وحقوقهم.
وفي وجه آخر هناك فئة واسعة من اللبنانيين تستذكر اتفاق 17 أيار والكلفة الوطنية لإسقاطه، وتستذكر عيد التحرير في 25 أيار وإرث المقاومة المتراكم منذ السبعينيات بكل أطواره وتعقيداته وتجد أن الحلم الذي تحقق صار مضغة في أفواه بعض المستهينين به، وصار لأسباب كثيرة أسير التباسات محلية طائفية وإقليمية تحاصره لتقطع بينه وبين مستقبل بناء الوطنية اللبنانية على الكرامة والاستقلال والحرية والعيش الكريم.
وفي مكان ما هناك فريق يشعر بالخذلان لأن رياح الحروب الإقليمية خذلته في مشروع تموضع لبنان في بيئة عربية ودولية متخففة من عبء القضايا العربية التي ما زالت قائمة ولكن في تشوّهات يُسأل عنها أولاً وبالأساس محور الهرولة المتهالك لتسليم الغرب مقاليد الأمور والوصاية الكاملة والتخلي عن مواجهة تحديات تتعلق “بمشروع العرب” وطموحات الشعوب من أجل بناء قوة مستقلة بوجه كل الطامحين إقليمياً ودولياً لجعلهم مجرد مدى حيوي أمني واقتصادي وسياسي ومسرح نفوذ لا شركاء أقوياء.
هذه هي الصورة الاستباقية الصادمة لكن الواقعية هي المقدمة الضرورية وغير الكافية طبعاً لرؤية لبنان من خارج الدوائر التي ينظر إليها الفرقاء السياسيون وفيها الكثير من اللحظوية أو حتى الاستنسابية في ترتيب أولوياتهم وكذلك الفئوية الظاهرة. فلم يعد ممكناً البقاء في حال التخبط الدائم لأزمة نظام سياسي تتفجّر مع كل استحقاق رئاسي أو حكومي أو نيابي… ولا عاد ممكناً التعامل مع المسألة الاقتصادية والاجتماعية على أنها مسألة هامشية لأنها تخضع في نهاية المطاف لترتيبات جزئية ومؤقتة ويتم كبحها في حمأة النزاعات السياسية والطائفية.
أما المسألة الوطنية اللبنانية فقد اجتازت كل الشعارات السياسية السابقة ودخلت في مطبات حساسة جداً في وجوب بلورتها بالسياستين الدفاعية والخارجية ووجوب التعامل معها كقضية داخلية وليس كفرع من النزاعات الإقليمية.
منذ التفاهم الأميركي الروسي الإيراني على ملفي النووي والكيماوي وعلى استبعاد الحروب الإقليمية اتجهت المنطقة وجهة مختلفة ما زالت تداعياتها تحصل بشكل بطيء ولكن ثابت. وليس التخاطب السعودي الإيراني الجديد إلا مظهراً من مظاهره، الأمر الذي يرتب على الحلفاء المحليين نظرة جديدة لدورهم الذي حمل الكثير من التوقعات والتمنيات غير الملائمة للواقع.
تبقى حسابات القوى السياسية “حسابات خاصة” ويجري ترصيد نتائجها بصورة مختلفة عن رؤية المراقب أو المحلل للمشهد العام. إلا أن “الخيبات” أو على الأقل عدم توازي النتائج مع التوقعات سمة لا بد أن تترك أثرها على السلوكيات السياسية وهذا ما نأمله.
ربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت لاعتياد المشهد السياسي الحالي في المنطقة وفي لبنان وقد تراجعت الحمم الإيديولوجية والخطابات العالية ولكنه يبقى أن نبدأ في قراءة جديدة لهذا المسار وللخيارات التي يفرضها