IMLebanon

أسبوع سوريالي

بات من الصعب استيعاب التطورات المتلاحقة في العراق وسوريا ناهيك بتفسيرها عقلانيا او فهم مضاعفاتها ومعانيها البعيدة المدى. المقاييس التي تستخدم عادة في التحليلات والدراسات السياسية والاجتماعية، مثل العوامل الاقتصادية ومعدلات الدخل وموازين القوى والمصالح القومية وغيرها من العوامل كالهويات والانتماءات، تبدو غير كافية لتفسير تفكك دولتين مثل سوريا والعراق، وبروز قوى مثل “داعش” (او ما يسمى الدولة الاسلامية) قادرة، ولو موقتاً، على محو حدود قائمة منذ قرن، أي حدود سايكس-بيكو بين الدولتين.

تطورات الاسبوع الماضي في العراق تبدو سوريالية بامتياز. نظام نوري المالكي الهش يحظى الان بالدعم العسكري الاميركي والروسي والايراني والسوري. ورأينا في الوقت عينه وصول خبراء ومستشارين مع أسلحتهم وطائراتهم من أميركا وروسيا وايران. ويجب ألا نستغرب اذا قيل لنا إن الطائرات الاميركية من دون طيار تحلق في اجواء العراق، مع طائرات مماثلة تنطلق من ايران. وخلال أيام معدودة، رأينا الطائرات الاسرائيلية تقصف مواقع في سوريا، والطائرات السورية تقصف مواقع في العراق. طبعاً الرئيس الاسد لم يعلق على القصف الاسرائيلي، لكن المالكي شكر الاسد على قصفه. الولايات المتحدة اعترضت على القصف السوري، وحضت ايران على ان لا يكون تدخلها في العراق انطلاقاً من اعتبارات مذهبية. ايران طبعاً رفضت التدخل الاميركي المحدود في العراق. وزارة الخارجية الاميركية اعترفت بان واشنطن تشاطر ايران رأيها في خطر داعش، لكن هذا لا يعني بالطبع تطابق “المصالح الاستراتيجية”.

التطورات الميدانية كشفت عن ائتلاف موقت بين “داعش” وفلول انصار صدام حسين برئاسة عزت الدوري الذي أسس “جيش الطريقة النقشبندية”، اضافة الى بعض القبائل السنيةّ التي تشعر بالتهميش والتمييز المذهبي الذي يمارسه نظام المالكي. هذا ائتلاف مبني على التوتر والتجاذب ولن يستمر طويلاً وخصوصاً بسبب الممارسات البدائية والدموية لـ”داعش”.

الرئيس الاسد الذي استفاد عسكرياً من الدور المدمر لـ”داعش” في سوريا، حين تركها تقاتل الفصائل السورية المعارضة الاخرى من اسلامية وغير اسلامية، يسعى بخبث الى وضع نفسه في خدمة الائتلاف المضاد لـ”داعش” والتقرب من الاميركيين. المفارقة في الرد الاميركي على تحرك الاسد هو ان البيت الابيض استهجن العنف الذي مارسه الرئيس السوري ضد شعبه لأن ذلك أوجد المناخ الملائم الذي سمح لـ”داعش” بأن تتوسع قبل ان تغزو العراق. وفات الناطق باسم البيت الأبيض انه كان يرد من غير ان يدرك ما قاله منتقدو الرئيس أوباما في السنتين الأخيرتين، من ان تردده او رفضه التدخل في النزاع السوري أو تسليح المعارضة المعتدلة ساهم على نحو غير مباشر في تقوية “داعش”.

كان بالفعل اسبوعاً سوريالياً بامتياز.