تواصل قوى 14 آذار وبعض رموز تيار المستقبل ترويج أسطورة الربط بين تهديد القوى التكفيرية الإرهابية لأمن لبنان واستقراره وتدخل حزب الله في سوريا لدرجة ان هذه العبارة تكاد تتحول مفتاحا سحريا للرد على كل سؤال او شكوى بصورة تنطوي على الكثير من التسطيح العقلي والخفة السياسية.
لمن يملك ذاكرة او لديه القدرة على استرجاع التقارير الإعلامية لعام 2011 يمكن بكل وضوح التعرف على معالم انخراط تيار المستقبل والقوات اللبنانية في الأحداث السورية وهما سبقا حزب الله بأكثر من سنة ونصف إلى التدخل في سوريا ومن السذاجة بمكان تجاهل حقيقة أن المستقبل قام على الأرض اللبنانية بتأسيس أوكار وغرف عمليات للجماعات السورية المسلحة وللجماعات الخليجية الوافدة إلى سوريا عبر لبنان ومن المعلوم أن الجيش السوري الحر كان مشروعا أميركيا جوفته عصابات التكفير وورثته فصائل القاعدة وكل ذلك كان نتيجة تورط المستقبل في سوريا عبر الحدود اللبنانية والتركية قبل أي تدخل لحزب الله.
إن الأطراف التكفيرية التي تمثّل «داعش» جزءاً من خطها الفكري السياسي موجودة في لبنان منذ أكثر من عشر سنوات (معارك الضنية ـ حرب نهر البارد)، كما أن وزير الدفاع السابق فايز غصن حذّر من وجود «القاعدة» في لبنان منذ اندلاع الأحداث السورية، وقبل تدخّل حزب الله فيها بوقت طويل وتيار المستقبل تورط في تمويل وحماية بعض واجهات القاعدة كحركة «فتح الإسلام» و«جند الشام» و«عصبة الأنصار» على امتداد العشرين عاما الماضية.
إن التنظيمات التي تجاهر بالانتماء إلى مشروع إقامة «دولة الخلافة الإسلامية » وبغض النظر عن الاسم التنظيمي لا تعترف بالحدود، وهي تطلب البيعة من مؤيديها، ولبنان بالنسبة لها هو جزء من بلاد الشام، قبل أو بعد دخول حزب الله إلى سوريا وقد صدرت بيانات وتصريحات عديدة تدعو لأخذ البيعة في لبنان او تعلن تعيين امراء وولاة على لبنان ودار نقاش طويل بين فصائل التكفير عن كون لبنان ساحة نصرة ام ساحة جهاد وهذا كله يعني ان لبنان يمثل هدفا لمشاريع القوى التكفيرية الإرهابية التي تعتبره جزءا من ميادين حركتها في المنطقة ولا تستهدفه ردا على تدخل حزب الله في سوريا بل إنه بذاته كنطاق جغرافي وسياسي يمثل هدفا لنشاطها قبل ذلك بكثير.
لا يحتاج العاقل إلى خبرة استراتيجية عالية ليدرك كيف ساهم انتصار حزب الله في المعارك التي خاضها في القصير والقلمون وغيرها من المناطق بحماية لبنان او على الأقل بالحد من المخاطر التي تهدد لبنان فالمنطقتان تمثلان خاصرة جغرافية صعبة والأكيد ان هزيمة التكفيريين امام الجيش العربي السوري وحزب الله في القصير والقلمون دفعت أصحاب الاتهامات إلى تصعيدها من أجل التعويض عن الهزائم التي نزلت بالجماعات التي ساهموا في تمويلهاوتسليحها ورعايتها وتغطيتها إعلاميا وسياسيا ولو أن حزب الله انهزم وربحت تلك الجماعات، لما كانوا اعتبروا أن التدخل في سوريا له تأثير سلبي على الأوضاع في لبنان فالسلبي المقصود في اعتبارهم الكامن هو انكسار خطط النيل من سوريا وفشل محاولات كسر خطوط التواصل بين سوريا وحزب الله التي تمثل محورا مهما في لوجستيات توازن الردع في الصراع العربي الصهيوني.
لقد تحول الإرهاب التكفيري إلى مشكلة إقليمية ودولية باعتراف الدول التي ساهمت في دعمه ورعايته كالولايات المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2170 هو بيان اعتراف بصواب وجهة نظر حزب الله وقراءته للأحداث على مساحة المنطقة وبصورة مبكرة منذ خطاب السيد حسن نصرالله حول خطر التكفير في العراق قبل اكثر من عشرة اعوام ولم يكن شيء قد حدث في سوريا في حينه أما اليوم فالمنطق يفرض الإقرار بان التدافع الدولي الكبير لمحاربة الإرهاب والقضاء على مخاطره، يثبت صحة مقاربة حزب الله للملف منذ البداية وإدراكه لضرورة القتال ضد هذه الحركات ومنع تمددها وهو ما يسقط أسطورة الرواية القائلة بأن تدخل حزب الله في سوريا جلب المخاطر إلى لبنان.
فهل كانت حرب «داعش» الدموية ضد المسيحيين في العراق والإيزيديين بسبب دخول حزب الله إلى هناك، أو بسبب تدخله في سوريا، أم أن فكر هذه التنظيمات وعقائدها الإلغائية والدموية التي لا توفر أحدا هي سبب ما يحصل على امتداد المنطقة؟ إن جميع أدبيات فصائل القاعدة تغني عن السؤال الذي يتحاشاه المرتزقة والبلهاء الأغبياء والجهلة او عميان البصيرة الذين يتجاهلون حقيقة ان حزب الله يقبل الشراكة معهم لأنه يحترم الاختلاف والتنوع على الرغم من كونهم يظهرون كراهية وحقدا منقطعي النظير ضد الحزب وجمهوره ويحاولون اختراع التشبيه البائس بين حزب الله وقوى التكفير التي تجاهر برفض أي آخر مختلف انطلاقا من دائرتها المذهبية والمعتقدية بل وحتى القاعدية الضيقة كما تعلن بصراحة رفضها لأولوية القتال ضد الكيان الصهيوني لصالح مشروعها الدموي واللصوصي.
لقد حمى حزب الله لبنان من اجتياح الإرهاب التكفيري على يد فضائل القاعدة من النصرة الى داعش الى أحرار الشام وغيرها وما جرى في عرسال كان يمكن ان يجري في بلدات اخرى مثل القاع او الهرمل او رأس بعلبك لولا تدخل حزب الله وهذه حقيقة عبر عنها اهالي تلك المناطق بجميع تلاوينهم الطائفية والدينية أما المتورطون في احتضان التكفيريين فهم يواصلون تعميم الأسطورة الكاذبة لأن التتمة الفعلية لعبارة لولا تدخل حزب الله هي : لتوسعت جماعات التكفير في لبنان ولدامت أموال المزاريب الخليجية إلى مقدمي الخدمات اللوجستية والإعلامية لعصابات تخريب سوريا وتدميرها في وليمة دموية رصدت لها المليارات.