هي ازمة الوجود المسيحي في الشرق ولبنان يفرض نفسه عاملا مؤثرا في مسائل تكوين الاوطان في اروقة التاريخ الجديد الذي يتم رسمه للمنطقة، وتبقى هذه الازمة في صدارة الاهتمام الكنسي والمجتمع المسيحي ككل عنصر قلق دائم بعد سلسلة من الوقائع الميدانية التي تظهر وتبين انهم مستهدفون عمدا وعن سابق تصور وتصميم وليس الاعتداء عليهم وترحيلهم من بلادهم الاصلية مجرد هوامش لنتائج الحروب في الشرق الاوسط بل ان العمل جار تحت هذا العنوان من اجل الخلاص من الوجود المسيحي بشكل نهائي، وفي رأي اسقف ماروني شارك في قداس عنايا يوم الاحد اذ قال: ان وجودي اليوم هنا قرب ضريح القديس شربل صانع المعجزات كي نتضرع له لحفظ ابنائنا وكنائسنا وتراثنا الممتد لاكثر من الفي عام من التاريخ وان مناشدة القديسين باتت المعبر الوحيد نحو الخلاص. واعطى الاسقف تشبيها للوضع الحالي يتماشى مع عيش المسيحيين الاوائل ايام الامبراطورية الرومانية حيث كانوا يلاحقون ويقتلون من اجل اسم المسيح.
واشار الى ان العمل السياسي والمناشدات المحلية والاقليمية والدولية لا تجد آذانا صاغية خصوصا ان المجتمع الاسلامي والعربي يتهيب الحرب السنية – الشيعية والتي لامست الوقوع في معظم الدول العربية. اما المجتمع الدولي فيبدو انه لا يبالي ان لم يكن يغض النظر او حتى يشجع على قاعدة العرض الاميركي الذي تم وضعه بين ايدي الرئيس الراحل سليمان فرنجية بترحيل المسيحيين الى كندا.
هذا الاسقف يروي انه منذ ذلك الوقت واعداد المسيحيين الى تضاؤل من هجرة وتهجير داخلي ساهمت فيه اسرائيل بطرق مباشرة وغير مباشرة الى هجرة دائمة نحو بلاد استراليا واميركا اللاتينية دون عودة بحيث بات المسيحيون في بلاد الاغتراب اكثر عددا بمرات عدة من المسيحيين المقيمين في كافة ارجاء الشرق.
وفيما يتحدث هذا المطران بحسرة كبيرة انما بايمان اكبر عن مستقبل كافة الطوائف المسيحية التي تعيش في هذه المنطقة يحاول سرد وقائع تدين الذات المسيحية في المقام الاول حين كانت السلطة بين ايديهم ولم تكن لديهم صفات الرؤية لمستقبل تراثهم وناسهم بحيث جاء الطائف واطاح باول ذراع مسيحية في السلطة التنفيذية وهي المسماة صلاحيات رئيس الجمهورية وتعامي البعض عن هذا الاتفاق الدولي الذي اوحى بان بداية النهاية قد بدأت بالرغم من كون مكونات معارضة هذا الاتفاق كانت قائمة لو اتفق المسيحيون ورجال الاكليروس فلا يمكنه ان يمر الا ان الطموح الشخصي والعدوات غطت الاعين وتعامى الموقعون عن ادنى ما يمكن فهمه من قبل فلاح لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وبالرغم من ذلك سار المسيحيون مرغمين به ولكن كان البعض من القادة المسيحيين يجاهر ان الطائف تم وضعه كي لا ينفذ على الاطلاق وها هو بعد مرور حوالى خمسة وعشرين عاما على انطلاقته عرضة للتنفيذ النسبي وللمصالح الخاصة. كل هذا يصفه هذا الاسقف ويضعه في خانة الغباء وعدم اعتماد الرؤية السياسية الواضحة الكامنة وراء الاعتماد على الرهانات والتطمينات الشفوية التي تبين فيما بعد انها مجرد افخاخ تم نصبها لهؤلاء بالذات.
ويتحدث المطران عن الواقع الحالي ليشير الى شعر يديه الذي اكله الشيب ويقول: كيف لنا ان نشرح للناس حقيقة الامور ومصارحتهم ليس بواقعم الحالي فحسب انما بالوقائع التي يمكن ان تحصل بين ليلة وضحاها مشيرا الى بعض الاتصالات التي تلقاها من مدينة زحلة سائلة عن الشائعات التي تتحدث عن امكانية اجتياح المدينة من قبل «داعش» عبر ممرات الجبال!!! فيشير ليس الى الشائعة بمقدار الحالة النفسية التي يعيشها المسيحيون والتي اصبحت في حالة الاستسلام.
وتتابع اوساط مسيحية سردها عن واقع المسيحيين في ذات السياق لتقول التالي: كيف يمكن للمسيحيين ان يثبتوا وجودهم في لبنان والشرق؟ هل بقواهم الذاتية؟ او بالاستعانة بالدول الغربية؟ او بالتسلح؟ كافة هذه الاحتمالات تشرحها هذه الاوساط كما يلي:
– اولا: ان ثبات المجتمع المسيحي في لبنان بات محط اسئلة متنوعة بعدما حصل في العراق وسوريا وفلسطين وان تخبئة الخوف ليست العلاج الشافي، انما يكمن في مواجهته والتصدي له عبر توحيد الموقف والكلمة في الدرجة الاولى، والتطلع نحو المنظمات الاصولية والتكفيرية بنظرة موحدة، وليس تقسيمها ووضعها في خانة الثوار او السكوت عنها ووضع الرأس في الرمال كالنعامة، وهنا اذا توحدت هذه الرؤية ومعها الاستنتاج بان المسيحيين في خطر يمكن الانطلاق بمعالجة مشتركة، ولكن هذه الاوساط تلفت الى ان التطلع نحو منظمات تكفيرية ليس بحاجة الى براهين سوى مجرد طرح سؤال على اساقفة وبطاركة العراق وسوريا والثقة باقوالهم وعدم وضعها في خانات خدمة هذا النظام او غيره عندها يمكن التحسس بالخطر. ولكن هذه الاوساط تلفت الى الواقع المسيحي الحالي وامكانية المواجهة الممكنة.
– ثانيا: ان تأسيس قوة محلية مسلحة تساعد الجيش اللبناني ليس واردا في ظل وجود جيش قوي لا يمكن للثنائية العسكرية ان تتلاقى معه لا من حيث التوجه ولا الاهداف، وان بعض الدعوات التي صدرت لتسليح المسيحيين لا يعرف احد الى اين توصل، ولكن هل من امكانية لهذا الامر؟ تجيب الاوساط ان العامل الديمغرافي لا يعطي للمسيحيين حالة من الراحة النفسية وهذا مؤثر للغاية بفعل التجاوب المرة التي خاض فيها المسيحيون حروبهم في الجبل وشرقي صيدا بحيث تم اخلاء قراهم دون قتال في اغلب المناطق وهنا يقع مكمن الخوف.
– ثالثا: ويتلخص بالسؤآل التالي: كيف يستطيع المسيحيون حماية انفسهم وارزاقهم واعراضهم في وقت لا يصدق بعض القادة منهم ان الاخطار موجودة؟ هذا السؤال تجيب عليه الاوساط انه من البديهي ان يتمسك المسيحيون بمؤسسات الدولة الامنية التي اثبتت فعاليتها في مواقع عدة ولكن ماذا لو وقع المحظور وباتت خريطة الشرق الاوسط الجديدة جاهزة فاين هي حدود تواجد المسيحيين وهل من منطقة يمكن ان يتم تركها لهم في اطار سايكس – بيكو جديد خصوصاً ان وضعهم متروك من قبل الغرب بشكل كلي وحتى من مجرد موقف ادانة مما حصل في العراق والرقة، وان اهل الغرب غير آبهين بقبر المسيح ولا بكنيسته ولا حتى بالصخرة التي بنى عليها معبده، وان العرب والمسلمين مستسلمون لمحافظين من اميركا وفرنسا وبريطانيا لرسم حدود دولهم في الوقت المناسب لهذا الاستسلام وعلى مقربة من اندلاع حرب مذهبية.
مع هذا الشرح الديني والسياسي لمصادر واوساط مسيحية معنية والاجماع الحاصل حول الاهمية القصوى لضرورة التنبه وفتح العقول قبل فوات الاوان وعدم الاستسلام لبعض التطمينات الملغومة فان المطلوب قبل وقوع الندم والدمع وتلمس حلاوتهما والمساوىء فيهما ان يعمد المسيحيون الى اخذ التحذيرات من المخاطر على محمل الجدية القصوى والابتعاد عن الرهانات والتمسك بالشريك في الوطن كعامل طمأنة عليه تقع المسؤولية ايضاً في عدم فرط الكيان.