ارتاب كثيرون لدى تعيين أشرف ريفي وزيراً للعدل، بسبب خلفيته السياسية ومواقفه المثيرة للجدل منذ كان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. لكن الرجل، باعتراف خصومه قبل حلفائه، شكّل «مفاجأة» لـ«أهل العدلية»، رغم بعض الهنات التي لا تزال ترافق أداءه، ومنها استمرار زوجته في الترافع، كمحامية، تحت قوس عدالة زوجها
أشرف ريفي وزيراً للعدل هو نفسه مديراً لقوى الأمن. لا أحد يتفوّق عليه في اللياقات الاجتماعية. لازمته المعتادة، «تسلم الله يخليك يا بيك»، وتواضعه سمتان تطبعان تعامله مع محيطه. هذا على المستوى الشخصي. أما في السياسة، فحدّث ولا حرج. عندما تولّى وزارة العدل، تطيّر قضاة كُثر من الوزير القادم من العسكر. رأوا فيه فألاً سيّئاً وخلفاً رديئاً لسلفٍ فاقم وضع العدلية سوءاً. وللقضاة حساسيتهم تجاه المحامين، فكيف إذا كان وزير العدل أحدهم. أما ريفي، فحكاية أخرى. لم يكد يخلع بزته العسكرية حتى تحوّل قائد محور ملأ الدنيا بتصريحات نارية وطائفية. هدّد وأرعد، حاله كحال «زياد علّوكي» و«عامر أريش» وغيرهما من نجوم محاور الفيحاء الذين لم تعد تميّز بينه وبينهم. فكيف يُعقل أن يؤتمن على صرح العدل والعدالة؟ هكذا أيقن القضاة أن ساكن الوزارة الجديد سينقلهم من «تحت الدلفة إلى تحت المزراب»: وساطة ومحسوبيات ومزيدٌ من إغراق القضاء في وحل السياسة.
ولكن، لم يصدُق ظن كثيرين في صاحب عبارة «لن نرتدي تنانير وسندافع عن شرف طرابلس»، على الأقل حتى كتابة هذه السطور. جرت عجلات الوزير عكس تقديرات كثر من القضاة، إذ لم يكد الرجل يتسلم زمام الوزارة حتى شمّر عن ساعديه ليبدأ العمل. وربما، نتيجة الحكم المسبق ضده، بالغ في الحرص في تعامله مع القضاة. التقى غالبيتهم، واستمع إلى شكاويهم. أنصت إلى اقتراحاتهم وقدّم رؤيته للحل. يومها، قبل أي شيء، أبدى استغرابه من تدني الاعتماد السنوي للقضاء. في الاجتماع الأول، صارح القضاة بأن «اعتماد أصغر دائرة أمنية أكبر بكثير من موازنة العدلية». وعد باستجلاب هبات لإجراء تحسينات. وهكذا فعل، أعاد نوعاً ما ترميم قصر العدل في بعبدا. ثم ذهب أبعد مما يطمح حتى القضاة أنفسهم أو يرونه بعيد المنال، ولا يمتلكه سوى أصحاب الحظوة منهم. وعدهم بمرافقين وسيارات معفاة من الجمارك. تحدث عن مشروع لإنشاء سَريّة أمنية تُعنى بمرافقة القضاة ومواكبتهم. وعدهم بأرقام هواتف رباعية (مجانية) أسوة بالضباط. تعهّد بإحضار ٥٠٠ سيارة رباعية الدفع من إحدى الدول الخليجية على مرحلتين، سيُصار إلى توزيعها على جميع قضاة لبنان. لم يتحقق شيء بعد من الوعود التي قطعها، لكن رغم ذلك استبشر القضاة خيراً. لمسوا فيه صدق السعي لإحداث تحسينات وتطوير العدلية. قارنوا بينه وبين الوزير السابق شكيب قرطباوي، فمالت الكفّة لمصلحة الحالي. يكشف قضاة لـ«الأخبار» أن ريفي لم يحصل أن تدخّل في أحد الملفات، أو اتّصل بقاضٍ ليسأله عن أحد الموقوفين. حتى اتصالات القاضي محمد صعب الذي عيّنه مستشاراً قانونياً له، بحسب القضاة، لا تعدو كونها للاستفسار عن مسائل قانونية في بعض الملفات. ويضيف قاض آخر أن الوزير أعاد تثبيت «الهوية المذهبية» للمراكز القضائية التي تشغر ويجري انتداب قاض جديد إليها.
في المقابل، وردّاً على «حيادية» ريفي، يقول أحد القضاة: «بالتأكيد الوزير بدّو يكون عم يتدخّل». يستحضر القاضي ذكر زوجة ريفي، المحامية سليمة أديب. فـ«زوجة الوزير محامية لها كلمتها في الشمال». يضيف، «حتى التأثير المعنوي يُعدّ تدخّلاً في عمل القاضي الذي ينظر في ملف تكون زوجة وزير العدل وكيلة فيه»، ويسأل القاضي: «من قد يجرؤ على رفض طلب زوجة معاليه؟»، ثم يردف قائلاً: «لا بد أن يوقفها عن مزاولة مهنة المحاماة إن كان حيادياً».
يقول أحد القضاة إن على الوزير أن يوقف زوجته عن مزاولة مهنة المحاماة إن كان حيادياً
يؤخذ على ريفي إصدار التشكيلات القضائية الأخيرة التي يصفها قضاة بأنها «عار على العدلية»، إذ كيف يُشكّل عشرات القضاة وتُترك المراكز الأساسية شاغرة. كأنّ الوزير ومجلس القضاء يقرّان بأنّهما عاجزان عن ملئها من دون توافق سياسي. ليس هذا فحسب، بل كانت كيدية في تشكيل قضاة معروفين بالنزاهة. وهنا يسأل أحدهم: «هل ينتظر ريفي تشكيل مجلس قضاء أعلى جديد يكون أكثر قدرة من الحالي على إصدار تشكيلات؟». ويُستعاد مشروع انتداب قضاة لملء الشواغر، الذي لا يزال عالقاً في درج مكتب ريفي. يقول أحدهم إن الوزير غير راضٍ عن المشروع لأنه يطال عدداً كبيراً من القضاة، فيما يتردد أن هناك عقدة تتعلّق بإزاحة إحدى القاضيات المحسوبة على تياره السياسي عن مركز رئيسي كانت تشغله.
يختلف الوزير الحالي عن سلفه في موضوع الزيارات. يتحدّث شاغلو الوزارة عن وفود شعبية بالعشرات تحجّ إلى مكتب ريفي يومياً. يتحدّثون عن زعيم شعبي لا عن وزير. يعقّب أحد القضاة بريبة: «بالتأكيد يحمل زوّار ريفي مشاكل ينشدون حلّها. فكيف يا تُرى يجيبهم وزير العدل؟». قضاة آخرون يتحدّثون عن مجموعة أصدقاء مقرّبين من الوزير يتكلّمون باسمه. يصفهم أحد القضاة بـ«السماسرة»، مرجّحاً أن «الوزير ربما لا يعلم بأمرهم». يطرح قاض آخر «تخفيض العطلة القضائية»، كامتحان للوزير ومجلس القضاء الأعلى، فيرى فيه «مؤشراً للحكم على أداء الوزير».
في مسقط رأسه، يشكو الناس من ابتعاد الوزير عنهم. يرى هؤلاء أن «أبو أحمد تغيّر». لم يعد يجيب على اتصالاتهم. مواقفه صارت أكثر حدة تجاه أبنائهم، السجناء أنفسهم الذين قال عنهم يوماً إنّهم أبناؤه. يرى هؤلاء أنّه خذلهم. حاله كحال زميله في الكتلة وزير الداخلية نهاد المشنوق. يقول أحد أبناء التبانة: «مسؤولو المستقبل عندما يكونون في المعارضة يكونون مع الشعب، لكن عندما يتسلمون السلطة يُصبحون ضده».