IMLebanon

أفرجوا عن طارق عزيز… والبعث العلماني

(1) لكي لا يكون هناك أي التباس، أؤكد ثلاثة مواقف أساسية، أولها، أن خوض المعركة ضد إرهابيي «داعش» وكل المنظمات والاتجاهات التكفيرية العنفية، هي مهمة وطنية عراقية، لا يجوز التردد، لحظة واحدة، في انجازها بالحزم والحسم اللازمين؛

وثانيهما، أنه بات على المثقفين العراقيين والعرب ـــ وبغض النظر عن المشارب والاتجاهات ـــ أن يرفعوا الصوت عاليا، وفي أطر منظّمة تقوم بهجوم ثقافي وأخلاقي معاكس في هذا العالم العربي، الذي لم تصدر عن حكامه أو حكوماته أو أحزابه أو تجمعاته أو هيئاته السياسية والفكرية والدينية، حتى إدانة واحدة واضحة وصارمة إزاء المذبحة التي نفّذها مجرمو «داعش»، بحق المئات من شباب في أعمار الزهور من طلبة المدرسة الحربية الجوية، فقط لأنهم «شيعة»؛ فيا لعار العرب! وثالثهما أنني طالبت مرارا، وأطالب الآن، علنا، بالرد على وكرَي الإرهاب الوهابيين في الرياض والدوحة، بحملة شاملة، لا تستثني القوة، وتركّز على فضح الحكام الوهابيين ـــ الصهاينة، وفضح عملائهم من «المثقفين» و«الإعلاميين» ومطاردة الحكام والأذناب معا، سياسيا وقانونيا.

(2) على أن كلام رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، عن «حزب البعث المقبور»، أصبح بلا معنى ومجرد تكرار لأحقاد الماضي ومتناقضا؛ تبين، اليوم، أن حزب البعث العراقي حيٌ يُرزَق، ثم إن البحث الجدي في مستقبل العراق لا يمكن أن يتجاهل الواقع، ويظل أسيرا للأحقاد القديمة، وأخيرا، فإن «البعث» هو الحزب الحاكم في الجمهورية العربية السورية، التي لا يمكن من دونها كسب المعركة الوطنية في العراق. وللبعث السوري، كما ظهر منذ 2003، صلات وأنصار وتيار وعلاقات مع البعث العراقي، وهي خيوط تلزم بغداد اليوم حين تقرر الانتقال إلى خطاب فكري ـــ سياسي جديد لاستيعاب هجمة الوهابيين لتقسيم العراق وتحطيم العراقيين.

البعث العراقي مضطرب، وليس مجرد حليف لـ«داعش»؛ وإلى ما قبل نشوب الحرب على سوريا، عام 2011، كانت له رئة وملاذ في دمشق، لكن سنوات الحرب السورية، قربت العديد من البعثيين العراقيين المعزولين والمضطهدين ممن كانوا المحرض الرئيسي وراء الحرب على النظام البعثي العراقي؛ كذلك، فإن الاتجاه الديني القديم لعزت الدوري، وصلاته بالطريقة النقشبندية ـــ وربما بإيران في وقت ما ـــ وضعته في سياق إسلاموي سنوي هو السياق الذي طبع قسماً أساسياً من المقاومة العراقية. لكن البعث العراقي هو، في النهاية، أكبر من الدوري، ومن التحالف والصراع مع التكفيريين: كلٌ منهما يظن أنه يستخدم الآخر، ويشتبك، وسيشتبك معه حتما. والبعث العراقي ليس مجرد حزب، بل هو إطار للنخب العراقية المسيطرة أو الموالية للنظام أو العاملة في قيادة أجهزة الدولة، حتى الاحتلال؛ وإذا كان قسم كبير من هذه النخبة سنيا، ففيها شيعة ومسيحيون. وكان أسوأ ما فعله الاحتلال والإسلام السياسي الشيعي العراقي هو قانون وحملة اجتثاث البعث، أي اجتثاث مئات الآلاف من النخب العراقية في كل المجالات. وهو ما حرم العراق موردا بشريا أساسيا لإعادة البناء.

(3) من غير المفهوم الالحاح على دعوة المحتل الأميركي للقتال ضد «داعش»، وتجاهل امكانات التحالف السياسي مع قوى بعثية ويسارية ووطنية وعشائرية، خارج العملية السياسية القائمة على المحاصصة والطائفية؛ إن ذلك التناقض يجدد الخطاب السياسي «للمعارضة الشيعية ـــ الكردية» عند احتلال العراق؛ هذا الخطاب الذي يلائم «داعش» والسعودية وقطر.

(4) لم تعد وحدة العراق، مجتمعا ودولة، ممكنة، إلا بثلاثة شروط: أولا، وقف العملية السياسية التي أطلقها المحتلون، لمصلحة مؤتمر تأسيسي وطني لا يقوم على الأكثرية والأقلية الخ، بل على الشراكة الوطنية؛ ثانيا، إنشاء جبهة واسعة ضد الإرهاب؛ ثالثا، وضع حد للمشروع الشوفيني الانقسامي الانتهازي الكردي.

في سياق كهذا، يمكن ـــ وينبغي التفكير ـــ في إحياء بعث عراقي علماني متحرر من النفوذ الوهابي. هنا، ستؤدي دمشق دورا بارزا. لكن الحكمة الوطنية العراقية تتطلب الشروع في عملية فرز داخل البعث العراقي على أساس الموقف من عدوّ العراق، السعودية الوهابية.

(5) طارق عزيز، رئيس الدبلوماسيّة في النظام العراقي السابق، بعثي عتيق مؤيد للرئيس الراحل صدام حسين، لكنه لم يكن عضوا في الزمرة الحاكمة؛ سياسي ومثقف، مسيحي عربي من أبناء الموصل، معتقل منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، وانقطعت أخباره منذ أسبوعين. والأرجح أنه يتعرض للعزل بسبب المخاوف من تحرك حزب البعث.

لا؛ أفرجوا عن طارق عزيز الآن؛ ستكون هذه، بحد ذاتها، صفعة للتكفيريين والطائفيين، ورسالة إيجابية نحو الموصل، ونحو البعثيين العلمانيين، وفرصة لإعادة بناء البعث العلماني، الشريك اللازم في عملية سياسية وطنية.