يتندر خصوم رئيس تكتل التغيير والإصلاح رئيس التيار الوطني العماد المتقاعد ميشال عون بأن اصراره على العودة الى قصر بعبدا رئيساً شرعياً، يعود الى إزالة الغبن الذي لحق به يوم إسقاطه سياسياً وعسكرياً وشعبياً ومطاردته حتى لجوئه الى السفارة الفرنسية، تاركاً وراءه كل ما كان يتمتع به تحت عنوان «يا شعب لبنان العظيم»، بعدما شن حربين فاشلين الأول على المحتل السوري بذريعة تحرير لبنان، أما الحرب الثانية فقد تمثلت بمحاولة التخلص من ابرز خصومه «القوات اللبنانية» تحت عنوان توحيد البندقية، وقد خلص الجنرال آنذاك من وراء فعلته لاجئاً سياسياً في العاصمة الفرنسية التي عاد وإنقلب على حكومتها يوم طالبته بلجم لسانه ضد بعض حلفائها من اللبنانيين والعرب!
كذلك يتندر خصوم عون بأنه من وراء سعيه الدؤوب لأن يعود رئيساً منتخباً للجمهورية بقول هؤلاء انه على إستعداد «لأن يفعل السبعة وذمتها» شرط نجاحه في الرقص على حبال حليفه حزب الله، الذي يتطلع الى أن يوصله الى الرئاسة من خلال تمثيلية رئاسية تبدأ بانتخاب مسيحي وتنتهي بانتخاب وطني مغطى من الأكثرية الشيعية، قياساً على ما فعله جراء تحالفه مع الحزب وحركة «أمل» وقوى 8 آذار، من ضمن مجموعة شروط لا تجعله حراً في خياره؟!
الذين يفهمون على الجنرال يقولون أنه مستعد لأن يرقص على قارعة الطريق في حال تأمن له الوصول من خلال ذلك الى قصر بعبدا، ليس كعلة سياسية بقدر ما هي فكرية تتحكم به من يوم اقرار الطائف الذي قضي بتغييبه مهما إختلفت الإعتبارات، لاسيما ان «إقتراح عون جاء بمثابة لعبة مميتة للبنان. فضلاً عن أن أي تعديل دستوري يحتاج الى إجماع سياسي ووطني غير متوفر في سجل تعاطي عون مع سواه.
وكذلك، فإن إقتراح عون يميز بين المواطنين ليس بالنسبة الى الذين سينتخبونه، بل لأن السيطرة على القرار المسيحي لن يعبر سكة التباين طالما أن إقتراح التغيير والإصلاح يضرب المناصفة التي ستؤدي تلقائياً الى تحكم القرار الشيعي بمعظم اصوات المسيحيين في أماكن «سلطة حزب الله»، حيث هناك من يطالب عون بالتوجه ونوابه الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية يدير البلد وينقذ ما يمكن إنقاذه من لبنان، بدل إتخاذ مواقف شعبوية لا يمكن تحقيقها بمعزل عن وحدة الموقف المسيحي (…).
إشارة في هذا الصدد الى أن عدد المسيحيين قي لبنان قد وصل الى زهاء 25 في المئة، ولا يعقل ان يتحكم هؤلاء بقرارهم، فيما يجزم الجميع بأن من الأفضل والأسلم عاقبة أن تجري الإنتخابات الرئاسية في مجلس النواب حيث لكل مرشح من يؤيده «لأن أصوات المسلمين من سنّة وشيعة ودروز هي من يحدد إسم الرئيس»، بدليل صمت حلفاء عون عن مسألة ترشحه بنسبة صمت هؤلاء إزاء إقتراحه تعديل الدستور، كونهم لن يتخلوا عنه؟!
وفي حال كانت رغبة لدى عون بالعودة الى قصر بعبدا رئيساً منتخباً فما عليه سوى النزول الى مجلس النواب على أمل تسخير قوته لمصلحة البلاد، إلا في حال كان مؤمناً بأن رفضه الترشح عائد الى أنه مقتنع بأن خصمه رئيس حزب القوات اللبنانية هو منافسه الأوحد، لاسيما أن حلفاء عون لم يظهروا حماسة وصراحة، بقدر ما أكدوا من أنهم غير مستعدين لمماشاته، بدليل الإجماع على القول ان ثمة إستحالة أمام تطبيق ما يقترحه من الناحية الدستورية، مع العلم أن مجلس النواب لا يجتمع لأشياء أقل أهمية فكم بالحري أن ما يقترحه عون يتطلب تعديلاً دستورياً غير متوفر حالياً؟!
ومن أطرف ما قاله أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان أن «الفرصة سانحة للعودة الى وثيقة الميثاق الوطني» كي لا يأتي رئيس غير مقتنع، لأن العلة ليست في تأمين النصاب بل في الممارسة السياسية التي خطط عون لتكون على مقاسه ولهذه الأسباب فإن اقتراح عون لن يبصر النور قبل أن تتضح نياته بالنسبة الى أبعد من الرئاسة الأولى، كي لا تتداخل الأمور في بعضها، وتجنباً لمحاذير اللعب على الصوت المسيحي الذي فقده عون في الحربين اللتين خاضهما تحت عنوانين مختلفين أوصلتاه الى اللجوء الذي لا يمحى من أذهان المقربين منه لأسباب سياسية ووطنية في وقت واحد، من غير حاجة الى تحويل لبنان الى نظام مزاجي يحاكي ما يتطلع عون إليه لتبييض سمعته التي فقدها يوم تحوله الى طريدة أوصلته الى خارج لبنان؟!