IMLebanon

أكبر من «داعش».. وأبعد من العراق!

ما يجري في العراق لا يعني بلاد الرافدين وحدها، بقدر ما يُهدّد أمن واستقرار المنطقة كلها: شعوباً وأنظمة وكيانات.

لم تعد المسألة محصورة بين حكومة متعثرة، وتنظيم متشدّد، بعدما كشفت الأحداث الأخيرة، حالة من الغليان والغضب الشعبي، من مكوّن أساسي من مكوّنات الشعب العراقي، انفجرت في وجه السلطة المركزية المتهالكة، التي أَمعن رئيسها في ممارسة شتى أساليب الإقصاء والقهر والاضطهاد، في إطار سياسة فئوية ومذهبية غبية، أججت المشاعر المناطقية والعشائرية، وجعلت من المذهبية وقودها الطبيعي!

اجتياح «داعش» لأكبر المدن والمحافظات العراقية، لم يتم بقدراتها العسكرية الذاتية وحسب، بل نتيجة تفاعل أهالي تلك المناطق المهمشة، مع الشرارة التي أطلقها التنظيم الجهادي المتشدّد، والتي استطاعت استقطاب كل الناقمين على سياسات حكومات نوري المالكي المتعاقبة: من بعثيين سابقين، إلى عسكريين محترفين، طبعاً إلى جانب الجموع الشعبية من أبناء العشائر، الذين فشلت السلطات ببغداد في معالجة أسباب الخلافات المتزايدة معهم.

 * * *

غير أن اندفاعة «داعش» السريعة و«المدهشة» أثارت الكثير من التساؤلات الحائرة، وطرحت العديد من التحليلات المتضاربة، بعضها يؤيد تراكم عوامل الغضب والغليان الشعبي في الأنبار والمحافظات الأخرى، ذات الأكثريات السنية، وبعضها الآخر ينحو نحو نظرية المؤامرة، وإمكانية وجود تواطؤ خبيث، بين السلطة المركزية والتنظيم الداعشي، بهدف جرّ العراق إلى مرحلة مقلقة من الصراع المُدمّر، والسعي إلى فرض تقسيم واقعي، ذات ألوان مذهبية، على البلد المُستنزف بحروبه الداخلية، وبالتنافسات الإقليمية والدولية على أرضه!

من تلك التساؤلات والتحليلات على سبيل المثال لا الحصر:

 {{ كيف استطاعت «داعش» اجتياح هذه المنطقة المترامية الأطراف والوصول إلى أبواب بغداد، بمثل هذه السرعة التي تضاهي سرعة الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003؟

{{ هل يُعقل أن ينتصر بضعة آلاف من مقاتلي «داعش»، على أكثر من ثلاثين ألفاً من جنود وضباط الجيش العراقي؟

{{ من أعطى الأوامر لكبار القادة العراقيين بالانسحاب من الموصل والمدن الأخرى من دون قتال، وتسليم تلك المحافظات الكبرى لمقاتلي «داعش»، الذين كان تعدادهم في بعض المواقع لا يصل إلى ألف مقاتل، ومعظم أسلحتهم من النوع الخفيف والمتوسط ؟

{{ هل تَرْك «داعش» تتمدّد بهذه السرعة المُريبة، يُخفي خطة للسلطة المركزية، باستحضار تدخل عسكري إيراني فوري، بحجة الدفاع عن بغداد، والحؤول دون سقوط الدولة العراقية في سيطرة التنظيم الإرهابي؟

{{ ما علاقة هذه التطورات العسكرية الدراماتيكية على الأرض، بما يتردّد عن مخططات لتقسيم العراق، وطي صفحة اتفاق سايكس – بيكو، وإعادة النظر بالخرائط والكيانات السياسية الحالية في المنطقة؟

{{ أين الدور الأميركي الحقيقي في كل ما يجري في العراق، الذي تركته الإدارة الأوبامية يواجه قدَرَه، وانسحبت منه، بعدما دمّرت مقومات الدولة العميقة في بلاد الرافدين، وأشعلت بذور الصراعات المذهبية والعنصرية بين مكوّنات الشعب العراقي؟

* * *

أسئلة متشابكة، وتساؤلات غيرها أكثر تعقيداً، ليس من السهل إيجاد الإجابات المناسبة لها، قبل أن تتضح معالم المشهد الجديد في القطر العراقي، الذي يعيش فصلاً جديداً من فصول العجز العربي الراهن، مقابل جهوزية إيرانية دائمة للتعامل مع أي تطوّر مفاجئ، أو حتى لإطلاق العنان «للتطورات المفاجئة» التي تخدم الأهداف والمصالح الإيرانية في الإقليم!

فبينما سارعت طهران إلى إعلان استعدادها للتدخل تحت ستار مساعدة حكومة المالكي، فيما كانت وكالات الأنباء تتناقل أخبار دخول قوات إيرانية إلى الأراضي العراقية، للدفاع عن بغداد، كانت الدول العربية المعنية مباشرة بما يجري في العراق، تكتفي بإصدار بيانات الشجب والاستنكار، من دون المبادرة إلى اتخاذ أية خطوة عملية، حتى على مستوى الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية، وهذا أضعف الإيمان، للبحث في المخاطر التي تهدد وحدة العراق الشقيق.. وبالتالي وحدة كيانات عربية أخرى..!

ما يجري في بلاد الرافدين من تطورات أكبر مِن «داعش»، ومخاطرها أبعد مِن العراق.. فهل نسمع النفير العربي قبل فوات الأوان؟!