IMLebanon

«أمراء التمديد».. يتسلّون مجدداً

غيّر النائب السابق منصور البون هذه المرّة استراتيجيته في خوض المعركة الانتخابية. سيقدّم خلال ساعات أوراق ترشيح زوجته سيلفانا الى وزارة الداخلية. الرجل ليس إقطاعيا، لا بل هو ملتصق بالناس وهمومهم، لكنه آمن، فجأة، بتداول السلطة داخل العائلة، ولذلك سيفعلها!

هو أسلوبه الخاص في «التمريك» على من سيصدّق نفسه، فيحمل أوراق ترشيحه، وينتظر في طوابير الساعات الأخيرة قبل إقفال باب الترشيح، أو من يجاري الكبار في لعبتهم، فيتقمّص الدور. لا يريد أبو فؤاد أن يكون واحدا من هؤلاء، فضَرَب حيث لا يتخيّل الآخرون!

الحالمون بنيابة طازجة أو متجدّدة، سيقنعون أنفسهم أولا، ثم الآخرين، بأن المسرحية الانتخابية المملّة ـ الفصل الثاني، تفرض هذا القدر من الجدّية والرزانة في الأداء.

في جمهورية لا تشعر أصلا بأنها بلا رأس، لا «جمرك» على حفلات نيابية من هذا النوع، تضخّ مئات الملايين في خزينة الدولة ثم تتسلّل مجدّدا الى جيوب مرشّحين لانتخابات في علم الغيب. «فريق نبيه بري» كان أول من اعتلى الخشبة.. والحبل على الجرار.

افتتح النائب بزي شريط الملهاة، واللاحقون لن يتأخّروا عن الواجب. الرئيس نبيه بري سبق البون ونائب بنت جبيل في «النكع» وتمرير الرسائل. وكّل علي حمدان تقديم أوراق ترشيحه، وأدار ظهره في إجازة خاصة لترييح الأعصاب.

لم يعقد اجتماعات انتخابية تصل الليل بالنهار لفكفكة القطب الخفية بين جزين وبعبدا وبيروت، أو حسم إمكان إجراء تعديلات على طاقمه النيابي في النبطية وصور والزهراني وبنت جبيل. اكتفى بالايحاء بأنه الرافض الأول للتمديد.

«دولته» مع بعض نوابه ووزرائه، توزّعوا خلال الأيام الماضية بين أميركا والمانيا وسويسرا ودول أخرى في مهمات حزبية، ومن أجل الترفيه عن النفس.. قواعد الفراغ تقتضي ذلك.

عمليا، كي يمشي التمديد الثاني، يجب أن تسبقه شكليات المحاولات البائسة المفتعلة لانتزاع الانتخابات من فم «داعش». هذا ما يتقنه الجميع. حدّدت التواريخ، وصدرت التعاميم، وقدّمت الترشيحات.. كل ذلك من أجل الاسترخاء على فراش ولاية ثانية، مبدئيا.

نظرة سريعة على لائحة المرشّحين منذ صدور تعميم تقديم التصاريح تفي بالغرض. باستثناء نواب «كتلة التحرير والتنمية»، وبعض النواب بالمفرّق، لم تتقدّم «المحادل» بعد بأوراق ترشيحها، مع العلم بأن مهلة تقديم الطلبات تنتهي الثلاثاء المقبل.

بالطبع، هناك نواب سيتوجّهون تباعا الى مكاتب الوزارة ليقوموا بالواجب. ابراهيم كنعان واحد منهم. ترشيح مطّعم بالطعن بتمديد «سيتحدّى» أكبر المجالس الدستورية في العالم. هو أول من يفتتح مسلسل الترشيحات العونية.

المرشّحون الدسمون، من لم ينضموا بعد الى «نادي ساحة النجمة»، تجتاحهم حالة من القرف. يفهمون اللعبة، لكن أدوار «الكومبارس» لا تستهويهم. عيّنة منهم ستفرح، وتزلغط، لمجرد ورود اسمها على لائحة المرشحين.. ولربما تغيّرت وجهة بوصلة المنطقة، وفتحت الصناديق فجأة.

إخراج قيد إفرادي، سجل عدلي خال من جرم الاحتفاء بالتمديد الثاني، صورتان شمسيتان لنواب الصالونات والمآدب والقيل والقال، إيصال مالي برسم الترشيح البالغ مليوني ليرة، والتأمين الانتخابي بقيمة ستة ملايين ليرة…

هي مستلزمات المسلسل المُضجِر المقرون بنهايات معروفة سلفا. يركب التمديديون مجددا أكتاف اللبنانيين. تسحب الترشيحات، لأن قرار الانتخابات أصلا بيد الاميركي والايراني والسوري والسعودي، ثم يستعاد مبلغ الثمانية ملايين محسوما منه ضريبة إلهاء المفجوعين بأمنهم ومصيرهم و«أعناقهم»، في مشهد ديموقراطي زائف الى حدّ التهريج!

قبل عام ونصف رصدت حكومة نجيب ميقاتي المستقيلة مبلغ 22 مليار ليرة للانتخابات، وحدّدت موعد اقتراع المغتربين اللبنانيين في الكويت وملبورن وسيدني من أجل انتخابات على الورق بتاريخ 16 حزيران. حدّدت الإنفاق الانتخابي لكل مرشح بـ150 مليون ليرة، والقسم المتحرّك لسقف المبلغ الأقصى الذي يجوز لكل مرشح إنفاقه بمبلغ 6 آلاف ليرة لبنانية عن كل ناخب. وإنجازها الأكبر أنها أقامت هيئة الاشراف على الانتخابات من بين الأموات.

يومها أقفلت بورصة الترشيح على 706 ممّن «عاشوا الحالة»، مع تسجيل آخر دفعة لـ 19 مرشّحا عن «حزب الكتائب». كل ذلك، من أجل كذبة الانتخابات، ورغم الإجماع الكلامي على رفض قانون الستين، كان النائب نقولا فتوش الأكثر جرأة وصراحة في قول الأمور كما هي «التمديد سيمرّ على رقبة الجميع».. ومع ذلك قدّم طلب ترشيحه!

نائب زحلة صار يستمتع في لعب دور «الانتحاري». يزنّر نفسه بكل ما يلزم من «عبوات دستورية»، وينطلق في مهمّته لإعلان «دولة التمديد». ما يريحه، هو تفرّج الأغلبية العظمى من النواب عليه باعجاب، مع بعض التصفيق والتمتمة التي تبقى في الصدور.. «إنّه أميرنا»!

كثر من المرشحين، تأخذ عليهم جرأتهم الزائدة في طلب وكالة جديدة من الشعب، حتّى لو «بالتمثيل»، حتى لو أن القرار بإجراء الانتخابات يتوقّف على مصير التحالف الدولي الاقليمي بوجه «داعش». بعض نماذج طالبي تجديد «البيعة» لهم في الصناديق، فاقعة للغاية.

فئةٌ صار يطلق عليها رسميا لقب «الدواعش». فئة ضميرها مرتاح لأنها لم تستفز أو تزعج أحداً، بكل بساطة لأنها لم تشتغل أصلا. نواب لم يتعرّفوا الى زفت مناطقهم الانتخابية. نواب شنوّا حربا مباشرة على الجيش وخوّنوه، ولم يستكينوا بعد. نواب يبشّرون بـ«الثورة السنّية»، يتوعّدون بأن يحصل في لبنان ما حصل في سوريا والعراق، ويستجدون الدول المانحة كي لا تموّل المؤسسة العسكرية. نواب لم يأبهوا طوال ولاية التمديد الأول بأن شرط هذا التمديد كان إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية. نواب يعترفون بـ«جَميل» الارهابيين. نواب يسيطر عليهم هاجس تحجيم منافسيهم.. من الفريق السياسي نفسه!

مسيرة رافضة

انطلقت مساء أمس، من أمام مؤسسة كهرباء لبنان في منطقة مار مخايل، مسيرة رافضة للتمديد للمجلس النيابي، نظّمها «الحراك المدني للمحاسبة»، بمشاركة واسعة لهيئات المجتمع المدني.

وسلكت المسيرة طريق النهر مروراً بساحة الشهداء وصولا إلى رياض الصلح، ورفع المشاركون فيها الأعلام اللبنانية واللافتات المنددة بالتمديد للمجلس النيابي، وسط مواكبة أمنية، وقطع الطرقات المؤدية إلى المجلس بالأسلاك الشائكة والعوائق الحديدية.

وهاجم مدير البرامج في «الحراك المدني» سامر عبد الله، في بيان، رجال السياسة متهماً إياهم بأنهم «سلطة خارجة على القانون، وخارجة على إرادة الناس ومتمردة، تدمرون الدولة ومؤسساتها، وتتصرفون وكأن الحكم ترف، فتبتزون بعضكم بعضا عند كل استحقاق، وتعطلون السلطة تلو الأخرى».