هل في الإمكان القول إن سياسة الإدارة الأميركية في المنطقة باتت أكثر وضوحاً وهي استخدام كل الوسائل المتاحة لضرب الإرهاب بكل أشكاله بعدما أصبح عدواً مشتركاً للجميع وخطراً يوحّد الجميع وحتى المتخاصمين لضربه؟
في الماضي استعانت الولايات المتحدة الأميركية بالحركات الأصولية وعلى رأسها أسامة بن لادن لمواجهة الحكم الشيوعي في أفغانستان، وهي تستعين اليوم بكل القوى على اختلاف اتجاهاتها وتعددها لمكافحة الارهاب حتى وإن صحّ ما يقال إنها ساهمت في تكوين خلاياه، تحقيقاً لأهداف، وهي تجعل منه الآن بعبعاً يخيف الجميع فيتوحدون على اختلاف الاتجاهات والمشارب والمذاهب لضربه، وقد خصصت أميركا مبلغ خمسة مليارات دولار لهذه الغاية لم يعرف بعد كيف سيصرف هذا المبلغ وأين ولأي وسيلة من الوسائل المجدية للمكافحة.
لقد كان لافتاً قول الرئيس باراك أوباما: “لا توجد معارضة معتدلة قادرة على الانتصار في سوريا”. لكن هل جرب الرئيس الاميركي قدرة هذه المعارضة بعد تزويدها السلاح المتطور أو أقله وقف الغارات الجوية بالبراميل المتفجرة كي يحكم عليها، لا أن يترك المعارضة على تعدد فصائلها وحيدة في مواجهة جيش النظام المدعوم علناً بالمال والسلاح من إيران وروسيا، لا بل أن مجلس الأمن الدولي لم يستطع حتى فتح ممرات انسانية لمساعدة أبناء القرى المحاصرة بسبب “الفيتو” الروسي. واللافت أيضاً قول الرئيس أوباما إنه طلب من الكونغرس تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لمساعدة المعارضة المعتدلة وهو قول ينقض ما قبله. فهل هذا يؤكد تخبط السياسة الاميركية أم هو دليل على اعتماد الازدواجية في هذه السياسة؟ فلو أن الإدارة الأميركية ساعدت المعارضة المعتدلة في حينه لما كانت دخلت على الخط مجموعات أصولية متشددة اتخذ منها الرئيس بشار الأسد “فزاعة” للشعب السوري كي يجعله يختار بين حكمه وحكم هذه المجموعات المقطعة للرؤوس والايدي وآكلة أكباد الضحايا… ولو أن الإدارة الأميركية حزمت أمرها في العراق لما استطاع تنظيم “داعش” اجتياح أرض واسعة فيه بسحر ساحر. وها هي بعد دخول دبّ الارهاب الى كل المنطقة ومنها إلى سائر المناطق في العالم بسبب السياسة الأميركية المترددة أو الفاشلة تستيقظ لتدعو الى مكافحة هذا الارهاب الخطر الذي أخذ يضرب في كل مكان ولا يميز بين دين ودين ولا بين أبيض وأسود…
والسؤال المطروح هو: ما هي السياسة التي ستعتمدها الإدارة الاميركية للتخلص من “داعش” وأخواتها؟ هل تخيِّر الأنظمة في المنطقة بين أن تشكل حكومات ائتلافية أو وحدة وطنية تتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية كي تستطيع مواجهة الإرهاب بوحدة موقف، ولا تجعل من أي طرف يشعر بالظلم والقهر والغبن والحرمان فيصبح بيئة حاضنة لكل شكل من أشكال الارهاب ليس حباً به بل كرهاً وانتقاماً من الطرف الآخر المستبد به، وهو ما تدعو إليه أميركا الآن في العراق وتكرر الدعوة إليه في سوريا تطبيقاً لمبادئ جنيف، وهو ما تدعو إليه أيضاً في كل دولة تعاني انقساماً سياسياً ومذهبياً حاداً وإلا كان التقسيم هو الحل وقد يبدأ من الدولة الكردية التي باتت واضحة المعالم والحدود إذا لم تتوصل إلى تفاهم مع الدولة المركزية في بغداد.
الواقع انه لم يعد في الإمكان إقامة أنظمة ديموقراطية تأخذ بالعدد بحيث تحكم الاكثرية والاقلية تعارض لأن الانقسام لم يعد سياسياً ووطنياً كما في الماضي بل أصبح مذهبياً لا يسمح بتطبيق هذه الديموقراطية بل بتطبيق ما يسمى الديموقراطية التوافقية التي لا تستثني أحداً من مكونات الوطن كي يشعر الجميع أنهم مشاركون في اتخاذ القرارات وغير مهمشين.
لذلك مطلوب من العراق تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل القوى الاساسية سياسياً ومذهبياً ومناطقياً وإلا استمرت الفوضى العارمة بقيادة الارهاب والتي لا نهاية لها الا بالتقسيم. ومطلوب من سوريا الشيء نفسه لأنه لم يعد في الامكان قيام حكم الحزب الواحد أو اللون السياسي الواحد أو المذهب الواحد. ومطلوب ايضاً من مصر أن تفعل الشيء نفسه لأن اي حكومة فيها لا تستطيع تجاهل وجود “الاخوان المسلمين” وما يمثلون. وكذلك الامر في كل دولة ينقسم فيها الناس مذهبياً وليس سياسياً فقط، ولبنان هو من هذه الدول منذ أن بات من الصعب عليه تطبيق النظام الديموقراطي العددي في ظل الطائفية بل تطبيق الديموقراطية التوافقية، وما دام في استطاعة اي مذهب إذا رفض المشاركة في الحكومة لأي سبب اعتبارها غير ميثاقية بحيث بات في الامكان القول إن الدول التي تتعدد فيها المذاهب والاعراق لا تحكم الا جماعياً وليس فردياً وإلا تحوّل المحروم هذه المشاركة بيئة حاضنة للارهاب ليس حباً به بل حباً بالانتقام ممن يضطهده أو يهمشه.