لا فضل لطرف على آخر في رفع الصوت ضد خطر داعش، بعد الصمت حيال الصعود السريع للتنظيم الارهابي. فالصارخون اليوم هم الصامتون بالأمس. والكل تصرف على أساس أن ترك داعشش يلعب بحرية هو جزء من توظيفه في ضمان مصالح محددة أو في الضغط على خصوم لتغيير مواقفهم من ملفات عالقة: أميركا، أوروبا، الدول العربية، تركيا، ايران، روسيا، واسرائيل. لكن تنظيم داعش كان أيضاً يوظف مواقف الآخرين في خدمة مشروعه. فلا بقوته وحدها سيطر على أجزاء من العراق وسوريا. ولا الصراخ ضد خطره ارتفع إلا بعد اعلان دولة الخلافة والتقدم نحو أربيل عاصمة اقليم كردستان.
وليس أكبر مما فعله عامل داعش في جغرافيا العراق وسوريا سوى ما فعله في الحسابات الاستراتيجية. فالمطالبون بالتدخل العسكري الأميركي هم خصوم أميركا قبل أصدقائها. وادارة الرئيس باراك أوباما تفرض شروطها، وهي تستعد لاستعادة دورها القيادي في حرب كونية على داعش. لا بل توحي أنها لم وربما لن تخرج من دور القيادة من الخلف الذي اختارته قبل سنوات وأدى الى كوارث في المنطقة بينها تعاظم دور المتطرفين واندفاع نحو ١٢ ألف شخص من ٥٠ بلداً الى سوريا للقتال الى جانب داعش وجبهة النصرة.
ذلك أن الرئيس أوباما يصف داعش بأنه سرطان. ووزير الدفاع تشاك هاغل ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي يقولان إن خطر داعش أكبر من خطر القاعدة. وهم جميعاً يتحدثون عن استراتيجية طويلة المدى لمواجهة الارهاب، وعن الحاجة الى شركاء لمقاتلة داعش على الأرض بإسناد جوي أميركي.
وليس قليلاً عدد الذين يعرضون على أميركا دور الشريك في المعركة، وإن كان معظمهم يريد ضربة سريعة لداعش في استراتيجية قصيرة المدى. لكن واشنطن تتصرف على أساس أن الشريك في العراق حاضر، أولاً من خلال الأكراد، وثانياً عبر الحكومة التي يعمل حيدر العبادي لتشكيلها، بعد اخراج نوري المالكي بالتفاهم مع ايران. أما في سوريا التي يربط الجنرال ديمبسي إمكان هزيمة داعش بمهاجمته من سوريا، فإن الوزير هاغل يرى أن النظام جزء من المشكلة لا الحل، ولا يزال يبحث بين عشرات التنظيمات المتطرفة عما يسميه المعارضة المعتدلة لتسليحها.
والكلام الكبير يوحي أننا في ما يشبه العودة الى مناخ ما بعد ١١ أيلول. لكن أميركا ليست في صدد ارسال قوات على الأرض. ولا أحد يتوقع تغيير هذا الموقف في حال تم عقد المؤتمر الدولي لمحاربة الارهاب الذي يدعو اليه الرئيس فرنسوا هولاند.
وما أسرع صعود داعش وأبطأ استراتيجية المواجهة.