IMLebanon

أنت لبناني؟ أنا أعرف رفيق الحريري

 

كانت الثامنة تقريباً عندما غادرت بهو الفندق باحثاً عن سيارة أجرة تقلّني إلى أحد مطاعم اسطنبول لتناول طعام العشاء.

قبل أن أطلب نصيحة السائق وردني اتصال من صديق من بيروت، سارع فور علمه بوجودي في اسطنبول إلى سؤالي عن المطعم الذي سأرتاده الليلة لتناول العشاء، فأجبت «لا أعرف لكنني سأستعين بسائق التاكسي علّه يرشدني إلى المكان الصحيح». قال: «سأنصحك بمطعم يدعى «بيتي»، فإذا قصدته لن تنساه في حياتك، لديه أفضل مشاوي يمكن أن تتذوّقها في العالم، فأنا لا أزور غيره كلما قصدت تركيا منذ العام 1970 حيث عرّفني إليه والدي»، مع العلم ان معظم رؤساء وملوك العالم يترددون اليه».

النصيحة كانت كافية لكي أطلب من السائق التوجه فوراً إلى العنوان المذكور، الذي لا يبعد عن المطار سوى دقائق قليلة.

تقاليد كثيرة يتميّز بها «بيتي» أوّلها أنك تتلقى فور جلوسك إلى الطاولة كتيّباً يشرح قصة هذا المطعم منذ ولادته في العام 1945، وكيف أن مؤسس هذا المشروع عبد المطلب غولر سمّى هذا المولود على اسم ابنه، أي «بيتي».

أما التقليد الثاني فهو أن «بيتي»، أي صاحب المطعم الحالي الذي يبلغ من العمر ما يزيد عن 75 عاماً، يتفقّد كل طاولات المطعم، على مدار الساعة، مرحّباً بزبائنه فرداً فرداً: «أهلاً وسهلاً بك أنا «بيتي» صاحب المطعم، كل شيء على ما يرام، هل أعجبك الطعام؟»، أجبت على الفور «طبعاً»، الطعام لذيذ جداً». سألني من جديد «من أين أنت»، فقلت «من لبنان». «واوو…» أجاب «بيتي»، «يعني من بلد «مستر» رفيق الحريري!»، قلت مذهولاً: «وهل تعرفه أنت؟»، أجاب: «بالطبع، كنت في البداية أسمع اسمه في وسائل الإعلام، لكنني تعرّفت إليه شخصياً، فهو زار هذا المطعم مراراً، كلّما أتى في زيارة إلى تركيا كان يتعمّد تناول الطعام هنا هو وعدد من مرافقيه، قبل أن يتوجه إلى المطار عائداً إلى بيروت، رحمة الله عليه (قالها بالعربية) اسمه ما زال محفوظاً في ذاكرتي، وقد ترك غيابه جرحاً كبيراً في قلبي».

صَمَتَ لبرهة. شعرت أنه يريد إنهاء الحوار لينتقل إلى طاولة أخرى، قبل أن أنظر إلى عينيه اللتين كانتا تغرورقان بالدموع. انتابني إرباك. ماذا أقول لرجل تركي ومسنّ يبكي لمجرد أنه تذكّر رفيق الحريري؟ سألت نفسي، فقاطعني بالقول: «كان رجلاً عظيماً. أنا سعيد انني تعرّفت إليه وإلى كل أفراد عائلته. ابنه «مستر» سعد يتردّد إلى المطعم أيضاً وهو يتّصل بي بين وقت وآخر. رحمة الله على رفيق الحريري.. كان رجلاً عظيماً».

عدت إلى الفندق وأنا أراجع مذهولاً ما سمعت وما رأيت.

لا يزال رفيق الحريري في ذاكرة «بيتي».. وذاكرة كل بيت.