خلافاً لما تمسّك به خلال سنوات ولايته الست، عاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوة إلى مسرح الشرق الأوسط متزعماً ائتلافاً دولياً إقليمياً لمحاربة إرهاب «الدولة الإسلامية في العراق والشام» «داعش»، محققاً تقدماً واحداً على سلفيه الرئيسَين السابقين بوش الأب والابن. فعودته، التي هدفها الأول حماية الولايات المتحدة ودول الغرب من عودة «المجاهدين»، لاقت ترحيب غالبية دول الإقليم، بما فيها إيران، بعد أن قضى تمدّد «داعش» على حلمها باستتباع كلّي للعراق وهيمنة تامّة على سوريا وصولاً إلى لبنان وإضافة إلى اليمن مثلاً.
فخلافاً لائتلافين سابقين أثارَا استياءً عربياً، أولهما عام 1991 إثر احتلال صدام حسين الكويت، وثانيهما عام 2003 مع احتلال العراق، يأتي الائتلاف الحالي وسط ترحيب عربي، إذ إن شعاره الضمني استعادة وحدة العراق وإحلال السلام في سوريا. وقد شاركت 11 دولة في الاجتماع الذي عقد قبل يومين في جدة لإطلاق الائتلاف المقرر أن يتوسع ليضم عشرات الدول وهو سيستمر ثلاث سنوات على الأقل، وفق التلميحات، بهدف إرساء بناء سياسي متوازن بعد أن تبينت فداحة الأغلاط التي ارتكبتها الولايات المتحدة لتأمين انسحاب هادئ من العراق ثمنه إطلاق يد إيران.
فقد اشترطت الولايات المتحدة استباق تدخلها العسكري، وإن من دون تورطها في عمليات برية ستكون بعهدة الجيش العراقي المتوازن بقوات سنية إضافة إلى البيشمركة، بقيام حلّ سياسي تمثل باستبعاد نوري المالكي وقيام حكومة جامعة بموافقة إيران.
فرغم طرح إيران «علامات استفهام» عن الائتلاف، فموافقتها الضمنية واضحة رغم استبعادها مع روسيا وحكماً مع الأسد من صفوفه. فقد سمح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بالتواصل مع العسكريين الأميركيين بل وسارعت بلاده إلى مدّ البيشمركة بالأسلحة كما صمتت عن الضربات الجوية الأميركية التي انطلقت في الأسبوع الأول من آب. وهذا يعني إقراراً وإن غير علني بمسؤوليتها عن نشوء التطرف السنّي كرد على إمعانها في دعم نوري المالكي بما أحبط الطائفة وهمّشها خصوصاً مع إقصاء «الصحوات» التي أشرف الأميركيون على قيامها قبل انسحابهم لتأمين اعتدال سنّي يشارك في تقاسم السلطة.
وهذا ما سينعكس من دون شك على سوريا حيث سينحصر الخيار، وفق ديبلوماسي لبناني سابق، بين إنقاذ البلاد أو إنقاذ النظام. فقد خسر الرئيس بشار الأسد المعادلة التي طالما استخدمها بنجاح لابتزاز الغرب وعنوانها «أنا أو الإرهاب» والتي كاد ينجح مؤخراً باستثمارها مجدداً لو لم تسبقه تطورات العراق. وقد ساعده على ذلك تلكؤ أوباما والغرب عموماً عن دعم المعارضة المعتدلة وتسليحها بشكل فعال بذريعة خشية وقوع الأسلحة بيد متطرفين. أما الآن فها هو أوباما اليوم يطالب برصد 500 مليون دولار لتدريب المعارضة المعتدلة وتسليحها على أن يتمّ التدريب، في تطوّر لافت، على الأراضي السعودية بدل الأردن وتركيا كما جرت العادة. ويتطلب ذلك في سوريا، كما جرى في العراق، حلاًّ سياسياً، يتمثّل في قيام هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات نصّ عليها عبثاً مؤتمرَا جنيف الأول والثاني.
اما في لبنان فيبدو أن انخراطه في الائتلاف، الذي ضمت اجتماعاته الأولى الولايات المتحدة ودول الخليج إضافة إلى مصر والعراق والأردن، بات مثار موضوع خلافي إضافي. ففي حين شكّكت «قوى 8 آذار» بجدواه رحبت «قوى 14 آذار» بذلك أسوة بـ«الائتلاف السوري المعارض» الذي أراد لضرباته أن لا تقتصر على مناطق «داعش» بل تشمل مثلاً، وفق معارض سوري متابع للحيثيات العسكرية، مدارج الطيران خصوصاً وأن عددها محدود، بما يخفف عن كاهل «الجيش الحر» فظاعة القصف بالبراميل المتفجرة، كما يحول في الوقت عينه دون مواصلة إيران وروسيا مدّه بالأسلحة.