ما كادت الانتخابات الرئاسية السورية تتضح معالمها (المعلومة مسبقاً)، حتى كُشفت معلومات عن زيارة مفاجئة لوزير الخارجية الاميركي جون كيري لبضع ساعات لبيروت، قطع من جرائها مرافقته للرئيس الاميركي باراك اوباما من بولونيا الى بروكسيل التي يتوجه اليها بعد زيارة الساعات الخمس للبنان، للمشاركة في اجتماعات مجموعة السبع.
بدا واضحاً من اللقاءات المختصرة لكيري انه يحمل رسائل واضحة ومباشرة من الرئيس الاميركي، كما ردد في مؤتمره الصحافي عقب محادثاته مع رئيس الحكومة تمام سلام لنحو ساعة ونصف ساعة. والرسائل عينها نقلها الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حين حرص على لقاء البطريرك الماروني مار بشارة الراعي في محاولة لتعويض لقائه بالمرجعية المسيحية الرسمية بسبب شغور موقع الرئاسة الاولى، علما ان هذا الموضوع يشكل البند الرئيسي وربما الوحيد لمحادثاته مع الراعي. ذلك ان الادارة الاميركية التي فشلت في مساعيها لانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، او حتى في مساعيها لتمديد ولاية الرئيس ميشال سليمان، تسعى اليوم إلى حض القوى السياسية المحلية على الضغط لإنجاز الاستحقاق بقطع النظر عن اسم المرشح، وذلك بعدما برزت مخاوف في الاوساط المحلية المناوئة لسوريا من ارتفاع حظوظ فرض مرشح قريب من النظام ومن المحور السوري الايراني الذي يجسده “حزب الله” في الداخل اللبناني.
وفي حين تتحفظ مصادر قريبة من كيري عن هذه القراءة، فقد كان لافتا كلام رئيس الديبلوماسية الاميركية عن الحزب عندما أورده كطرف إقليمي إلى جانب روسيا وإيران في دعوته لهما الى “بذل جهد حقيقي لوضع حد للحرب في سوريا”، وهو دعا الحزب “بالتحديد كونه يدعم نظام الاسد مباشرة” إلى القيام بذلك.
وفي حين كرر كيري موقف بلاده من “حماس” كحركة إرهابية، لم يلحظ أي موقف مماثل من الحزب، وهو أمر دأبت عليه الادارة الاميركية منذ فترة غير قصيرة في التصريحات الرسمية.
وفي الرسائل المباشرة ثلاث لا يمكن إغفالها:
– الرسالة الاولى تحمل دعما قويا للبنان إستقراره وأمنه وإبعاده عن تداعيات الحرب السورية، ولا سيما من أجل التحذير من حجم ازمة اللاجئين السوريين ومخاطرها.
– الرسالة الثانية الى الشعب اللبناني في شكل عام والمجتمع المسيحي للضغط من أجل ملء الشغور في المؤسسة الدستورية الاولى ليكتمل عقد عمل المؤسسات الدستورية الثلاث، ومن أجل العمل على إيصال رئيس يتمتع بصلاحيات قوية. لم يخف كيري قلقه من التأثيرات السلبية لعدم وجود رئيس في السلطة، على لبنان وعلى استجابة القوى الامنية والعسكرية لأي طارىء في غياب رئيس.
– ثالثاً، لم يحمل كيري أي مبادرة او اقتراح، بل جاء مستمعاً، ومناشدا القوى اللبنانية العمل على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لم يحمل اسم مرشح ولكنه حمل رغبة اميركية في ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي بعدما رسم صورة للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم عن مخاطر الشغور الرئاسي، وهو ما سينعكس على تعطيل المؤسسات الدستورية في ظل المخاوف من تعطيل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
اما الترجمة العملية لهذا الدعم، فانحصرت في المساعدات الجديدة التي أعلن عنها، والتي ستستكمل بمساعدات مباشرة للجيش والقوى الأمنية. وكشفت مصادر كيري لـ”النهار” عن زيارة مرتقبة لوفد عسكري أميركي لبيروت للبحث في هذه المساعدات وبرامج التدريب والتجهيز المقرّرة.