IMLebanon

أوباما في محور الممانعة!

يعتبر الانقلاب الاستراتيجي الذي نشهده في طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة حيال أزمة العراق بمثابة الزلزال الذي ستكون له آثار كبرى على كثير من السياسات والتحالفات في المنطقة. البلدان لا ينكران فرص التعاون التي يقولان إنها يمكن أن تقوم بينهما في مواجهة التقدم الذي أحرزه تنظيم «داعش» في العراق على حساب حكومة نوري المالكي. وبعد أن كانت واشنطن وطهران تؤكدان أن المحادثات الجارية بينهما في الوقت الحاضر تقتصر على الملف النووي الإيراني وحده، نجد الآن أن هذا الحوار يمكن أن يشمل أيضاً إمكان التعاون لتسوية الوضع العراقي، وربما لمواجهة أزمات أخرى في المنطقة تعتبر إيران طرفاً فيها.

من الخطأ الاستهانة بحجم الانقلاب الذي نتحدث عنه. فإيران، «العدو» التقليدي المفترض للولايات المتحدة، ترحب الآن بدخول بواخر البحرية الأميركية ومقاتلي «المارينز» إلى مياه الخليج، بعد أن كانت سفنها ومقاتلاتها تهدد سلامة تلك البواخر، بحجة أن وجودها يسيء إلى الأمن والاستقرار في ما تسميه طهران «الخليج الفارسي».

وإيران التي قامت منذ انطلاق ثورتها، بارتكاب لائحة طويلة من النشاطات الإرهابية، بدءاً من الاعتداء على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز ديبلوماسييها كرهائن لما يقارب العام ونصف العام، وصولاً إلى قيام حلفائها في لبنان والكويت بخطف الطائرات واحتجاز الرهائن الغربيين لسنوات طويلة وقتل بعضهم في الأقبية، هي التي تشكو اليوم من «إرهاب» تنظيم «داعش»، وتعلن أنها تقف في صف واحد مع القوى الدولية لمحاربته، تحت ذريعة أنه يرتكب المجازر ويهدد وحدة العراق ويقضي على فرص نجاح الديموقراطية فيه.

وإيران التي تحتل التنظيمات المسلحة المقيمة على أرضها أو المتحالفة معها موقع الصدارة على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية، وإيران التي توفر الملاذ الآمن للفارين من وجه عدالة المحاكم الدولية، هي التي يقول رئيسها حسن روحاني إنه مستعد للتعاون مع الولايات المتحدة «إذا وجد أن أميركا تتحرك ضد المجموعات الإرهابية». أي أن المشكوك فيه هو النوايا الأميركية وليس تاريخ السلوك الإيراني المشبوه!

يجب الاعتراف أن إيران نجحت في جر باراك أوباما إلى موقع الشريك في الأزمة العراقية، وقبلها في الأزمة السورية. بسبب عجز الرئيس الأميركي وشلله في مواجهة الحرب التي يخوضها بشار الأسد ضد شعبه، انتهى الأمر بانتصار هذا الأخير، وبتجديده الولاية لنفسه سبع سنوات أخرى فوق دماء السوريين. كان طبيعياً أن تشعر إيران بأنها انتصرت لبقاء حليفها في الحكم، كما انتصر معها محور «الممانعة» التي تقول إن الأسد وحلفاءه يقودونه في المنطقة. تدخلت إيران مباشرة في الحرب السورية، من خلال «فيلق القدس» بقيادة الجنرال قاسم سليماني وكذلك من خلال الدور الحاسم الذي لعبه «حزب الله» في المعارك، بينما وقف أوباما وسائر القوى الغربية موقف المتفرج.

إيران تتدخل أيضاً في الأزمة العراقية الأخيرة. وبفضل الدور الذي يلعبه أيضاً قاسم سليماني وتسليحه العناصر الشيعية التي جنّدها المالكي وتخطيطه للمعارك الأخيرة، نجحت القوات الحكومية في استعادة بعض المواقع التي خسرتها. هنا أيضاً ستجد الولايات المتحدة نفسها في الخندق نفسه إلى جانب إيران عندما تقرر مواجهة تنظيم «داعش» ومنح نوري المالكي فرصة جديدة.

يجب ألا يشعر الرئيس الأميركي بالحرج عندما يقرر مواجهة تنظيم إرهابي كـ «داعش». لكنه لا يستطيع أن يكون صادقاً في حربه هذه إذا تجاهل الظروف التي سمحت لهذا التنظيم بالتقدم، ومجالات الحماية التي وفرها له النظام السوري وحلفاؤه.

كذلك لا يستطيع أوباما أن يكون صادقاً في مواقفه الداعية إلى الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية عندما تنتهي سياساته في خدمة حكومة المالكي التي تتحمل المسؤولية الأولى عن تغذية المناخ الطائفي في العراق وعن حالة العداء القائمة اليوم بين مختلف مكوناته.