يُجمع عددٌ من المحللين والمعلقين السياسيين والديبلوماسيين العرب في واشنطن، على وصف خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلية «ويست بوينت» العسكرية، بأنه نصف استدارة عن سياساته السابقة تجاه الشؤون الدولية، وفي اعتبار أنّ الأزمة السورية كانت بلا منازع القضية الاهم التي شكلت الحافزَ الرئيس لخطابه.
ليس مهماً تكرار الملفات الأخرى التي تناولها أوباما او تعدادها، في حين بدا واضحاً أنّ إعلانه تخصيص صندوق مشترك بقيمة 5 مليارات دولار لمكافحة الإرهاب، خَصص قسماً كبيراً من موارده لسوريا.
في المقابل، لا يمكن اعتبار الخطاب انعطافة كاملة في الأزمة السورية، بدليل أنّ ربط تغيير الأوضاع على الأرض مرهون بالقضاء على الإرهاب الذي كرّر فيه الرئيس الأميركي أدبيات أسلافه، حين حصروا المواجهة بجانبها الأمني ضدّه، في غيابٍ شبه تام لرؤية واضحة كان من المفروض أن تتعامل معه بكل ابعاده السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.
وفي هذا المجال، تقول أوساط أميركية مطلعة أنه «اذا كانت تقارير المؤسسات الأمنية والإستخبارية المقلقة هي التي فرضت على الرئيس الأميركي إعلان نيته الإبقاء على نحو 10000 جندي في افغانستان بموازنة تقدّر بـ 20 مليار دولار، فنحن نعلم انّ إنفاق هذا المبلغ على تنمية افغانستان كفيل بنقلها من عصر الى آخر، ما يمكنها ليس فقط من بناء نفسها، بل دحرَ حركة «طالبان» والارهاب عنها. وهذا ما لم تقم به الولايات المتحدة خلال وجودها في هذا البلد طوال 12 عاماً». وتضيف هذه الأوساط: «اليوم، مع تضخيم خطر الإرهاب مجدّداً بصفته قضية أمنيّة معزولة عن سياقها السياسي والإجتماعي والإقتصادي، يصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة الى بلد مثل سوريا، حيث يعقّد تداخل العوامل السياسية والجغرافية والنزاعات الاقليمية والدولية كل الحلول، ما لم يُصر الى إعادة بناء قاعدة سياسية لمواجهة هذا الإرهاب.
لكن، وبما أنّ التغيير لا يحصل فجأة، يُصبح في الإمكان القول إنّ ما أعلنه أوباما يشكّل نصف استدارة، خصوصاً وأنه بإعلانه عن تلك الموازنة، معطوفاً على دعم المعارضة السورية، فإنه يفتتح مرحلة سياسية مختلفة تجاه ما يجري في هذا البلد» .
وتشير مصادر أميركية الى أنّ أوباما «أعلن، ومن موقعه على رأس أكبر قوّة في العالم، أنّ لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد في ايّ تسوية او مشروع سياسي مقبل. وقد أثبتت تجربة الأشهر الاخيرة وأداء السياسة الأميركية تجاه ملفات المنطقة من سوريا الى ايران والعراق واليمن وصولاً الى اوكرانيا، أنّ كثيراً ممّا اعتُبر انتصارات او نقاطاً تمكّنت روسيا من تسجيلها، وصل الى حائط مسدود مع إعلان واشنطن عدم رغبتها الدخول في مساومات.
وفي تقدير هذه المصادر أنّ الأسد «قد يكون في طريقه نحو ارتكاب خطأ تاريخي قد يطيح به سريعاً، في الوقت الذي يعيش نشوة إعادة «مبايعته» رئيساً. فقادةٌ كثر ارتكبوا مثله اخطاء جسيمة، وانتهوا الى ما انتهوا إليه». وإذ إنها تعتبر «ما اعلنه أوباما لا يقل عن كونه قراراً سياسياً يصعب تقدير مفاعيله الميدانية تجاه سوريا او توازنات المنطقة»، تؤكد «ضرورة مراقبة ما سيحصل على الأرض من الآن فصاعداً، خصوصاً وأنّ كثيراً من العقد السياسية والاقليمية التي كانت تحول دون بلورة كيانٍ سياسيّ قادر على موازنة نظام الأسد وحلفائه، في طريقها نحو الحلحلة».
وتختم المصادر: «علينا مراقبة محطات سياسية مهمة، ما بعد مسرحية إعادة انتخاب الأسد رئيساً بعد ايام، بدءاً من تجديد انتخاب قيادة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، الى اعادة هيكلة المجلس العسكري لـ»الجيش الحر» وتعزيزه، الى تعزيز دور الحكومة الموقتة وتمكينها من البقاء في الداخل»…