IMLebanon

أوباما و«داعش» ..والرئيس الحائر

 

لدى التمعّن في تصرّفات ادارة الرئيس باراك أوباما وفي كلام الرئيس الأميركي نفسه، هناك بالفعل ما يصدم. هناك حيرة خلقها رئيس حائر. أكثر ما يعبّر عن هذه الحيرة الرغبة في ضرب «داعش« في العراق والتغاضي عمّا تقوم به في سوريا. كيف يمكن تفسير هذا المنطق العجيب الغريب الأقرب إلى اللامنطق من أيّ شيء آخر؟

هناك من جهة رغبة في دعم الحكومة العراقية المفترضة برئاسة حيدر العبادي، وهي حكومة لم تبصر النور بعد، وهناك من جهة أخرى اصرار على حماية الأكراد. حماية الأكراد أمر أكثر من مطلوب، لكنّ هذه الحماية كان يجب أن تترافق منذ زمن مع ضغوط على الحكومة العراقية السابقة برئاسة نوري المالكي التي تغاضت عن كلّ أذى يمكن أن يلحق بالمسيحيين والأقلّيات الأخرى. أكثر من ذلك، احتقرت حكومة المالكي السنّة بشكل عام ورفضت أيّ مشاركة كردية حقيقية في القرار السياسي.

بدت تلك الحكومة وكأنّها معنية فقط بشيعة العراق، بل بقسم منهم من الذين أعلنوا ولاءهم لها وقبلوا الدخول بعد السنة 2011 في لعبة دعم النظام السوري من منطلق مذهبي بحت تلبية للرغبات الإيرانية.

لعلّ أكثر ما يحيّر في مواقف الرئيس الحائر رغبة من نوع آخر في التغاضي عن «داعش« في سوريا نظرا إلى أنّ كلّ ما ارتكبه هذا التنظيم الإرهابي يصبّ في خدمة النظام السوري. إنّه النظام السوري نفسه الذي وضع له باراك أوباما «الخطوط الحمر« التي تبيّن أنّها بكلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر.

يصعب ايجاد تفسير للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، على الرغم من العقوبات الجديدة التي فُرضت على ايران والتي تشير للمرّة الأولى إلى احتمال حدوث تغيير ما في الموقف من طهران. كلّ ما يمكن قوله انّنا أمام إدارة اميركية لا ترى سوى الملف النووي الإيراني. يبدو هذا الملفّ وكأنّه يختزل الشرق الأوسط ومشاكله وتعقيداته، أقلّه إلى الآن.

ما يبدو صعبا على الإدارة الأميركية فهمه يتمثّل في أنّ التقدّم الذي حقّقته «داعش« داخل العراق يعكس جانبا من المشكلة الضخمة القائمة في البلد والتي في اساسها سوء التصرّف الأميركي في مرحلة ما بعد اسقاط النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين، وهو نظام لعب دورا كبيرا ومهمّا في القضاء على نسيج المجتمع العراقي. استكمل الأميركيون، عندما عملوا على ترسيخ الطائفية والمذهبية والمناطقية، ما بدأه نظام صدّام الذي، ربّما، حسنته الوحيدة أنّه لم يميّز يوما في القمع بين عراقي وآخر بغض النظر عن مذهبه أو طائفته أو قوميته.

استفادت «داعش« في العراق من الظلم الذي تعرّض له أهل السنّة. سمح لها ذلك في ايجاد بيئة تتحرّك فيها بحرّية وأمان. أمّا في سوريا، فإنّ مهمّة «داعش« كانت ولا تزال تتمثّل في ضرب الثورة الشعبية السورية وتصوير الثوّار بأنّهم مجرّد «إرهابيين« يريدون قلب نظام علماني.

تبدو معادلة «داعش« في سوريا والعراق معادلة من النوع المعقّد الذي يصعب على عقل أوباما التعاطي معه. ولذلك، يسهل على الإدارة الإكتفاء بتوجيه ضربات للتنظيم الإرهابي في العراق بدل ملاحقته في سوريا أيضا خدمة للمعارضة الوطنية السورية التي تواجه النظام بصدور عارية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات وخمسة اشهر.

من أجل المساهمة في تمكين باراك أوباما من الخروج من حيرته والتغلّب عليها، قد يكون مفيدا الكلام عن أمرين. الأوّل يخص العراق والآخر سوريا.

بالنسبة إلى العراق، لا يمكن محاربة «داعش« والقضاء عليها من دون حكومة شراكة وطنية فعلية بعيدا عن مقولة «الأكثرية الشيعية« في هذا البلد. الأهمّ من ذلك، لا مفرّ من اعادة الإعتبار لسنّة العراق وليس لسنّة نوري المالكي ووقف عمليات التطهير العرقي في هذه المنطقة أو تلك والتي تقوم بها ميليشيات محسوبة على احزاب معيّنة معروفة بارتباطها بايران.

ليس مطلوبا قيام «حلف سنّي« لمواجهة «داعش« بمقدار ما أنّ المطلوب اعادة الإعتبار لمكونات العراق، أي للعرب والأكراد والتركمان وكلّ الطوائف والمذاهب، بما في ذلك الأقليتان المسيحية والإيزيدية اللتان ظلمتا ظلما شديدا.

بكلام أوضح، إن حكومة جديدة تكون أبعد ما تكون عن حكومة المالكي تستطيع أن تلعب دورا في المواجهة مع «داعش«. هل يمكن لشخصية من حزب «الدعوة«، كحيدر العبادي، تشكيل مثل هذا النوع من الحكومات الجامعة؟. هذا السؤال برسم الإدارة الأميركية في حال كانت تعتبر «داعش« خطرا فعليا ولديها نية في اجتثاثها على غرار اجتثاث نظام صدّام حسين غير المأسوف عليه.

أمّا بالنسبة إلى سوريا، فإنّ «داعش« لعبت دورا في ضرب الثورة الشعبية. ولذلك، كان النظام أوّل من شجّع «داعش« ودعمها. من هذا المنطلق، لا يمكن تجاهل أن «داعش« حظيت برعاية النظام السوري، الذي عرف في البداية كيف يستفيد منها في العراق، أيام «أبو مصعب الزرقاوي« الذي وُجد بين العرب من يتخلّص منه في الوقت المناسب. في تلك المرحلة، مرحلة الزرقاوي، ومرحلة ما قبل اندلاع الثورة السورية، كان نوري المالكي نفسه يشكو من بشّار الأسد. كان الأسد الإبن يرسل، من وجهة نظر المالكي، ارهابيين لتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات في العراق. كان هدف النظام السوري واضحا وقتذاك. كان هذا الهدف يتمثّل في ابتزاز الأميركيين في العراق واظهار سوريا في مظهر النظام القادر على التعاطي مع ظاهرة الإرهاب وضبطها متى شاء ذلك.

باختصار شديد، لا يمكن الفصل بين النظام السوري و«داعش«. من يطيل عمر النظام، يساعد في انتشار «داعش« التي باتت على الحدود اللبنانية. المعركة مع النظام السوري مكملة للمعركة مع «داعش«. هذا ما فهمه الأوروبيون أخيرا، وهذا ما يفترض أن يكون واضحا لدى ادارة أوباما في حال كانت جدّية في معركتها مع «داعش« وما شابهها من تنظيمات ارهابية لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي من قريب أو بعيد.

هل كثير على ادارة أوباما أن تبدأ في فهم الشرق الأوسط بدل الإكتفاء بردّات الفعل، التي جعلت من رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم يتصرّف بالطريقة التي تصرّف بها الإتحاد السوفياتي في مرحلة سقوط جدار برلين في خريف العام 1989؟

هل الولايات المتحدة من الضعف ما يجعلها تتصرّف، في اوكرانيا وغير اوكرانيا، على سبيل المثال وليس الحصر، كدولة مقبلة على الإنهيار… أم المشكلة في باراك أوباما نفسه الذي يعتقد أنّ الحيرة يمكن أن تكون سياسة وأن تغني عن أيّ موقف يتطلّب حزما وحسما وصفات قيادية؟