منذ عام، وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاعة نفسها، ليعلن للشعب الأميركي تراجعه عن توجيه ضربات جوية ضدّ النظام السوري الذي استخدم السلاح الكيماوي ضدّ شعبه. لكنه اليوم أدلى بخطاب يناقض تماماً التبريرات التي سَاقها لتفسير إحجامه عن تلك الضربات.
تتحدّث معظم التعليقات الأميركية عن تغيير جذري في نظرة أوباما الى قضايا المنطقة، بعد أكثر من ثلاثة أعوام على اندلاع الحروب فيها. لا بل هناك من يعتبر أنّ كلمته هي من أقوى الكلمات التي ألقاها خلال سنوات حكمه، في ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية.
يقول أحد العاملين الكبار في إدارة اوباما إنّ خطابه يشكّل خريطة طريق للمرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ عدداً من القضايا التي تطرّق اليها، او تلك التي أغفلها، تحمل في طيّاتها عناوين سياسته الخارجية المقبلة.
فقد حسَم بأن لا تحالف مع النظام السوري، ولا تعاون معه بعدما أكّد مجدّداً أنّه مسؤول عن العنف الحاصل في سوريا وشريك في الإرهاب الذي انتشر، سواء في داخلها او خارجها، مكرّراً انه فقد شرعيته.
أمّا تشديده على ضرورة دعم المعارضة السورية المعتدلة وتسليحها وتدريبها، فيفتح الباب على توقّع مواجهة مديدة بغية خلق الظروف التي ستتيح تكوين ميزان قوى في سوريا في المرحلة المقبلة، شبيهاً بالذي يجري بناؤه في العراق.
وفيما أعلن أوباما أنّه طلب تمويلاً إضافياً وصلاحيات خاصة من الكونغرس لإنجاز هذه المهمة، حصل على وعود جديّة، خصوصاً من السعودية، بدعم تدريب المعارضة السورية وتمويلها.
ويؤكد هذا المسؤول الاميركي أنّ إعلان عدد من أعضاء الكونغرس استعدادهم لتقديم مشروع لـ»معاقبة» تركيا وقطر، عبر وقف التنسيق العسكري والأمني معهما، ووقف تنفيذ مبيعات الأسلحة بسبب دورهما في دعم الإرهاب ولَو من بوابة «حماس»، يشكّل رسالة واضحة عن المزاج الذي بات يحكم سياسة الإدارة الأميركية في هذا الملف.
وفي ملف لبنان، يقول المسؤول نفسه: «لقد أمكن حتى الآن تطويق المحاولات التي حصلت خلال الأسابيع الماضية لجَرّه الى المواجهة، عبر إجباره على الإنضمام الى «حلف» النظام السوري الذي كان واضحاً أنه يحاول الالتفاف على عملية تطويقه ويسعى الى تكبير دوره، عبر إغراق لبنان في مستنقع المواجهات الدائرة في سوريا، والتلويح بتفجير الأوضاع فيه، وذلك بعدما سعى الى حجز «موقعه» في التحالف الدولي المناهض للإرهاب».
ويؤكد هذا المسؤول «أنّ جهد الإدارة الاميركية سينصبّ في المرحلة المقبلة على تحصين لبنان سياسياً وعسكرياً، وإقفال حدوده، وعلى مواصلة تسليم العتاد العسكري للجيش اللبناني وتسريعه، وتنفيذ الهبة السعودية».
ويضيف: «إنّ استبعاد أيّ تنسيق ثنائي مع ايران سواء في العراق او سوريا، يشكّل رسالة واضحة بأنّ الدور الذي تؤدّيه في المنطقة يحتاج الى إعادة تعيين حدوده ورَسمها، علماً أنّ طهران تبدو في مرحلة إعادة حساباتها في الوقت الذي تحاول إشعال عدد من البؤر في المنطقة، مثلما يجري في اليمن».
ويؤكّد أنّه في الوقت الذي حملت كلمة أوباما رسالة الى الدول العربية والإسلامية عموماً، بأنّ القضاء على الإرهاب هو قضية مشتركة، وأنّ دورها الميداني أساسي في إنجاز هذه المهمة، يُحرز المسؤولون الأميركيون الذين يجولون في دول المنطقة تقدّماً في حشد الجهود والحصول على وعود قوية بأن تتولى قواها العسكرية مهمات تنفيذية على الأرض.
في هذا الوقت، يُنقل عن ديبلوماسي أممي في نيويورك، أنّ واشنطن أعدّت مشروع قرار تحت الفصل السابع لتشديد القيود على حركة المقاتلين الأجانب، فيما يجري العمل على وقف استيراد سيارات الدفع الرباعي التي تُهرّب عبر مرفأ العقبة الأردني والحدود التركية لمصلحة تنظيم «داعش» نحو سوريا والعراق.
وجاء تأكيد أوباما ما كشفه وزير خارجيته جون كيري من بغداد، بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد إعادة بناء الجيش العراقي على أسُس مختلفة، كإعلان سياسي بأنّ ما حدث في السابق لن يتكرّر لناحية شراكة الإضطرار وتسليم العراق لإيران.
واخيراً، كانت إشارة أوباما الى «عدوانية» روسيا ومسؤوليتها عمّا تشهده أوكرانيا، رسالة واضحة مفادها أنّ واشنطن قرّرت اتباع سياسة اكثر هجومية تجاه دور موسكو، سواء في اوروبا او في المنطقة، بعدما استُبعدت من التحالف الدولي الذي أعلن الرئيس الأميركي ولادته وقيادته.