جنيف
لا موقف أو تحرّك أوروبياً رسمياً علنياً وواضحاً من تمدّد مساحة سيطرة «داعش» منذ اتّساع رقعة أهدافها في العراق وتهديدها بإسقاط السلطة العراقية المركزية، إضافةً إلى زعزعة أمن المنطقة برُمَّتها.
إنحسَر اهتمام الأوروبّيين بزاوية التداعيات الإنسانية من حيث أعداد القتلى والمشرّدين والمتضرّرين، ويدلّ البيان الأخير لوزراء خارجية الاتّحاد الأوروبي على نيّة أوروبا عدم مقاربة هذا الملف مباشرةً، انطلاقاً من حسابات سياسية دقيقة تفرضها إشكالية العلاقات المعقّدة مع قوى المنطقة.
تبدو أوروبا في حيرةٍ كبيرة، فمِن جهة تُحمّل «داعش» مسؤوليّة التداعيات الإنسانية، لكنّها تُحاذر الذهاب بعيداً في هذا الموقف خوفاً من ترجمته على أنّه تَلاقٍ مع الموقف الإيراني من زاوية التعاطي مع عدوّ مشترك، وهي الأزمة ذاتها التي تحدّ من الحركة الأميركية تجاه العراق، علماً أنّ واشنطن كانت أكثر جرأةً عندما بدأت حواراً بين نائب وزير الخارجية ويليام بيرنز ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، على هامش المفاوضات النووية في فيينا، وقد اشترط فيها الأميركيّون تغييرَ نوري المالكي وتأليف حكومة جديدة، وهذا ما ترفضه إيران.
وفي هذا الإطار، بدأت القيادات الأوروبية تتعرَّض لانتقادات واسعة من الصحافة التي تتحدَّث يوميّاً عن الخطر الكبير الذي تُشكّله «داعش» على الشرق الأوسط والخليج العربي، وحلمها بدولة تضمّ سوريا والعراق والاردن والكويت وفلسطين، والتركيز على أنّ هذه الدولة ستكون جارة لأوروبا.
وبعد احتلال مساحات هائلة من العراق، توقّعت صحيفة «دايلي تلغراف» أن يكون الأردن الهدف المقبل لـ»داعش»، مشيرةً إلى الحراك المستمرّ في منطقة معان الذي اعتُبر جرسَ إنذار لدى القيادة الأردنية، خصوصاً أنّ متشدّدين يرتدون بذّات عسكرية مموّهة رفعوا في تظاهرات عقبَ خطبة الجمعة علمَ «داعش» الأسود.
وقال مصدر أردني مطّلع لـ»الجمهورية» إنّ «معان منطقة يميل أهلها إلى التشدّد الديني عموماً، وأن لا غرابة في تمدّد «داعش» إليها، خصوصاً أنّها منطقة نزاع طالما اعتمد سكّانها مبدأ تهديد النظام الاردني برفع العلم السعودي نوعاً من الابتزاز للحصول على مطالبهم»، مشيراً إلى أنّ الاردن «بدا حاضراً للمواجهة مع أيّ عدوان من جهة العراق، خصوصاً بعد سيطرة «داعش» على المعبر الحدودي هناك، ما دفعَ القوات المسلحة الى نشر عدد كبير من الآليات والمروحيات والعناصر لمراقبة الحدود منعاً لأيّ هجوم محتمل».
وتكمن أهمّية الأردن بالنسبة إلى الغرب بأنّه يشكّل حاجز عزل يفصل إسرائيل عن مناطق توسّع «داعش»، ما يفرض في المنطق الغربي المعتاد تحرّك إسعاف سريع، لكن حتى في هذه النقطة تبدو أوروبا في الصفّ الثاني من حلقة القرار في انتظار الخطوات الأميركية.
وعلى رغم التداعيات المباشرة لـ»الجهادية الإسلامية» على أوروبا، نظراً إلى أعداد الجهاديّين الأوروبيّين الكبيرة التي تخوض معارك تحت راية «داعش»، وعودة قسم من هؤلاء إلى أوروبا بهدف تأليف خلايا جاهزة للتحرّك بإذن «خليفة المسلمين»، فإنّ ردود الفعل الأوروبية لم تبتعد عن اتّخاذ إجراءات محدودة اقتصرَت على أعمال مخابراتية لتحديد أعداد وهويات المنخرطين في القتال بلا اتّخاذ قرار منعهم من السفر أو احتجازهم في دوَلهم تحت شعار احترام قوانين عدم فرض القيود على حرّية التنقل للأشخاص.
وتُفسّر الصحافة الأوروبية التردّد الرسمي الأوروبي من اتّخاذ موقف حاسم بعاملين: الأوّل ترجمة أيّ موقف عدائي تجاه «داعش» بأنّه مُعادٍ للسُنّة، مع ما يعنيه ذلك من تأثير على العلاقات مع الخليج العربي (خصوصاً فرنسا)، والثاني ترك الأمر للأميركيّين أصحاب النفوذ الأقوى في المنطقة وحصر اهتمامهم بالأزمة الأوكرانية.