رسمت التطوّرات الإقليمية الأخيرة ملامح مشهد جديد في المنطقة ينتظر أن ينعكس بقوة على الساحة السياسية اللبنانية، وخصوصاً على محوري السعودية ـ إيران، وطهران ـ واشنطن، تزامناً مع تجميد عملية التسوية السياسية للحرب السورية نتيجة استقالة الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي. وبرأي أوساط ديبلوماسية مطّلعة، فإن الدعوة السعودية المفاجئة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارتها ترتدي طابع الإستعداد للتسوية على صعيد ملفات المنطقة وبشكل خاص الإستحقاق الرئاسي، وذلك في ضوء مناخات التفاؤل التي ينقلها زوّار السفير السعودي علي عواض عسيري في الآونة الأخيرة. كذلك، فإن إطلاق الجولة الجديدة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في موازاة وقائع زيارة رئيس الإئتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا، تحمل مؤشّرات على وجود مسودة تسوية لأبرز ملف إقليمي هو الوضع السوري، ما سينعكس بشكل مباشر وسريع على مجمل الوضع اللبناني. وقالت هذه الأوساط الديبلوماسية، أن الأيام القليلة المقبلة المتبقّية من ولاية الرئيس ميشال سليمان تحمل في طياتها ترجمة لهذا المشهد من خلال فشل اللبنانيين في الوصول إلى أي قرار واضح بشأن انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، ومنع الشغور في كرسي الرئاسة الأولى.
فالأيام العشرة المقبلة، تابعت الأوساط نفسها، هي مفصلية في أكثر من ملف في المنطقة، إذ أن احتمالات حصول خرق على صعيد العلاقة الإيرانية ـ السعودية يشكّل المفتاح الأساسي لباب التسوية الرئاسية، الأمر الذي قد يمهّد لانتخاب الرئيس الجديد قبل الخامس والعشرين من أيار الجاري، وبالتالي، سيتمكّن لبنان من تجاوز المأزق الخطر الذي يتهدّده، وذلك كما جرت العادة من خلال ترجمة رهان بعض القادة على أن التفاهمات الإقليمية وحدها كفيلة بتذليل العوائق وإزالة الفيتوات المتبادلة بين فريق 8 و 14 آذار في الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي، الذي لا يزال معقّداً جداً. وكشفت أن مسارين يتحكّمان بمصير الأزمة الرئاسية، الأول يمثّل بانتخاب رئيس عبر تسوية أو صفقة إقليمية، والثاني من خلال التمديد للرئيس الحالي ميشال سليمان، ريثما تنضج الظروف لإتمام الصفقة، تمهيداً إلى إقناع كل الأطراف بإيجابية الإحتكام إلى معادلة الرئيس الوفاقي الذي سترضى عنه الغالبية، فيما تبقى قلّة معترضة، ولكن من دون أن تكون قادرة على إحداث تغيير في التسوية «السحرية» التي لا تزال اساس كل الإستحقاقات الإنتخابية، وبشكل خاص الرئاسية منها في لبنان على مدى العهود السابقة.
واستندت الأوساط الديبلوماسية ذاتها، في مقاربتها للمشهد الرئاسي إلى غياب أية ملامح تصعيد بين المرجعيات، لا سيما في ظل استمرار التواصل بين تيار «المستقبل» وكتلة «التغيير والإصلاح» الذي لم يتعثّر نتيجة موقف الرئيس سعد الحريري الثابت تجاه حلفائه في قوى 14 آذار، كذلك فإن حركة اللقاءات الجارية في الكواليس السياسية تشير إلى أن الوضع لن يكون متروكاً للمجهول وأن سيناريو موازٍ يجري الإعداد له للوصول إلى تسوية في اللحظة الأخيرة، وقد تكون شبيهة بقرار التمديد الذي أقرّ للمجلس النيابي في الصيف الماضي، ويقوم هذا السيناريو الذي تبحثه المرجعيات المسيحية على تطبيق معادلة دستورية جديدة مشابهة لنظرية تصريف الأعمال «الحكومية»، وتقوم على أن يلجأ مجلس النواب إلى إجراء تعديل دستوري يسمح بموجبه للرئيس سليمان أن يتابع مهامه الرئاسية في إطار ما يُعرف بـ«تصريف الأعمال» وذلك تفادياً لحصول الفراغ على المستوى الرئاسي، على أن تستمر فترة تصريف الأعمال هذه إلى حين إنجاز عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
لكن هذه «المغامرة» الدستورية، كما أسمتها الأوساط نفسها، دونها صعوبات أهمها موافقة 14 و 8 آذار عليها، علماً أن الطرفين ما زالا متمسّكين بالإستراتيجية «التصادمية» التي قد وضعاها للإستحقاق الرئاسي. وخلصت الأوساط إلى أن التأثيرات الخارجية قد تكون قادرة على إنجاز مثل هذه التسوية فيما لو تأخرت عملية التوافق على مرشّح رئاسي واحد.