وفي اليوم الأول بعد المئة، من عمر الشغور الرئاسي، قررت قوى «14 آذار» الانتقال من المربع الأول، المتمثل بتبنيها ترشيح سمير جعجع لكرسي بعبدا، إلى المربع الثاني.. على طريقة «رجل للأمام وأخرى للوراء».
فلم تنبذ ترشيح «حكيم معراب» وتحيله إلى حكم التاريخ، ولم تكشف صراحة عن مرشحها البديل الذي سيفوز بأصواتها مجتمعة. تركت مبادرتها تُقرأ على طريقة «تفسير الماء». تريد أن تفتح كوة في الجدار الحديدي المغلق بوجه الوافد العتيد إلى قصر بعبدا، من دون أن تقدّم المفتاح.
حتى حين ارتأت مدّ اليد تجاه الآخرين، لحياكة تسوية سياسية، صار الوضع اللبناني، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، بأمس الحاجة لها، غلّفت أصابعها بالكثير من الغموض والضبابية. فلا أفصحت عن ركائز هذه المبادرة، باستثناء التزامها سقف «الطائف»، ولا فنّدت بنودها، ولا كشفت عن حدودها ولا حتى شروطها.. رمتها ومشت.
من رصد تلميحات هذا الفريق خلال الساعات الأخيرة، ترك لخياله أن يسرح في بحر من السيناريوهات التي قد تلقيها قوى «14 آذار» على رقعة الشطرنج الرئاسية، من باب إحداث نقلة نوعية قد تحرج خصومها، وتخرج الاستحقاق من الدائرة المقفلة.
وبالفعل، فإنّ ما تسرب من صالونات هذا الفريق، يعزز هذه الفرضية التي تقول إنّ القوى الآذارية ترسم لنقلة ما من شأنها أن ترمي الكرة في ملعب الآخرين، وتقلب المعادلة الجامدة القائمة منذ 25 أيار الماضي. إلا إنّه تبين أنّ الطرح المتداول في الحلقات الضيّقة، لم يتبلور بعد، لكن قد تكون المبادرة التي أطلقت بالأمس، أول الغيث.
وبحسب المعلومات فإنّ قوى «14 آذار» قد تسير قدماً بخيار مرشح من خارج محورها، لا يكون بشكل أساسي استفزازياً لـ«حزب الله»، ويرضى عنه وليد جنبلاط، ليشكل جسر عبور بين الاصطفافين، وينقذ الكرسي المخملي من عتمة الشغور.
ويعتقد بعض أركان هذا الفريق أنّ الزعيم الدرزي الباحث عن إبرة التوافق بين قشّ الخلافات، قد يسرّ لهذه الخطوة، وقد ينضم إلى جوقة المصفقين لها، ليمنح المرشح العتيد ورقة «الأكثرية» في مجلس النواب، من دون أن يعني ذلك أنّ نصاب الثلثين صار في الجعبة. لكن من باب تبرئته من التهمة التي يختبئ خلفها «تكتل التغيير والإصلاح» لمقاطعة جلسات الانتخابات، وهي عدم وجود مرشح في جيبه 65 صوتاً.
أما إذا فعلها جنبلاط وقرر السير بمرشح «وسطي»، من باب الضغط لتحريك المياه الراكدة ليس أكثر، فستسقط هذه الذريعة، ويصبح السيناريو جدياً، وستلصق تهمة التعطيل بقماشة ميشال عون بشكل فاقع. حتى بكركي قد تجد نفسها في صفّ هذا المرشح إذا نجح في اختبار الـ65 صوتاً.
حتى اللحظة، لا يزال الجنرال عند استراتيجيته المتبعة منذ دخول البلاد في دوامة الاستحقاق: هو المؤهل لتكريس الشراكة الحقيقية والضامن الفعلي لها. مرشح «غير مرشح»، ولا مجال لكلام عن خطة «ب» أو مرشح بديل أو حتى سيناريو من نوع «ماذا بعد»؟…
يمسك بخيط التواصل مع سعد الحريري وموفديه إلى الرابية، على الرغم من وهن هذا الخيط، وهو يدرك جيداً أنّ الحوار المستجد مع الخصم الأزرق لم يرتق إلى مرتبة تأييده للرئاسة، لكنه لا يستسلم. العلاقة الثنائية تحافظ على إيجابيتها لكنها عاجزة عن التقدم نحو الأمام.
هنا الآراء غير منسجمة داخل المعكسر البرتقالي، البعض يثق بمصداقية الشيخ سعد وبالمودة التي يكنها للجنرال. بينما البعض الآخر لا يرى في الزيارات المكوكية لمقر «القيادة البرتقالية» إلا من باب سعي الفريق الأزرق لسحب مزيد من «التقديمات» الحكومية والنيابية.
ومع ذلك، لا يبدو أنّ الجنرال بصدد ضرب مواعيد تحذيرية للحريريين لدفعهم إلى الحسم، ومن شأنها أن تضع حداً للطلعات والنزلات. الدار مفتوحة إلى أجل غير مسمى، بينما يقف «حزب الله» خلف ترشيح ميشال عون من دون إضافات قد تعدل في الجوهر. تبلغ الضاحية الجنوبية كل من يلتقي «سيدها» أنّ ورقة الرئاسة في جيب الجنرال، ونقطة على السطر. موقف لا غبار عليه بالنسبة للعونيين، الواثقين كل الثقة بما تدلي به حارة حريك في العلن وفي اللقاءات المغلقة.
إذ يتردد في بعض مجالس العونيين أنّ الأوروبيين، بواسطة الفرنسيين، حاولوا إثارة المسألة الرئاسية مع الإيرانيين، من باب الضغط لابتكار صيغة توافقية تنهي «عهد الشغور» الرئاسي، حتى أنّ مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية حسين أمير عبد اللهيان فاتح القيادة في «حزب الله» بهذا الأمر للاستفسار منها حول السيناريوهات المحتملة للمسار الرئاسي، وكيفية «صيانته». فكان الجواب واضحاً، لا لبس فيه: اسألوا الجنرال!
أما غير ذلك، فلا مبالاة، كما جاء في بيان «التكتل» بالأمس.