تتلقى حكومة «المصحلة الوطنية» برئاسة الرئيس تمام سلام دعماً شعبياً من أهالي أسرى الجيش وقوى الأمن الداخلي لدى التنظيمات الارهابية المتطرّفة التي تحتجز أبناءها وتفاوض لاطلاق سراحهم، ومن المؤسسة العسكرية الأم التي اتخذت من هرمها إلى قاعدتها موقفاً موحّداً تجاه هذه المسألة بوقوفها خلف القرار السياسي للحكومة فضلاً عن تعاضد سائر القوى السياسية مع القرار الحكومي في مجلس الوزراء حول كيفية التعاطي مع هذا الملف الحساس.
وتأتي زيارة سلام إلى قطر للبحث في هذه القضية مع أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لتسقط كل الاتهامات بالتباطؤ والاهمال التي سيقت بحق الحكومة، وكما يقول وزير الداخلية والبلديات، فإن «التكتّم في هذه القضية مفيد»، لذا فإن عدم الاعلان عن الخطوات التي تقوم بها لا يعني أن الحكومة مقصّرة بل «تتصرّف بحيطة وحذر».
لقد مضى أكثر من 50 يوماً على خطف العسكريين. وعلى الرغم من جريمتي قطع رأسي الشهيدين البطلين علي السيد وعباس مدلج التي أثارت سخطاً كبيراً، إلا أن الحكومة مجتمعة وسلام شخصياً لم يقصّرا في معالجة هذا الملف.
وفي هذا الإطار برز أمس موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بعد زيارته بلدة مزرعة الشوف لمواساة أهل الجندي المخطوف سيف ذبيان، حيث أكّد أن سلام «يبذل كل جهده وكل اتصالاته من أجل هذا الموضوع» معتبراً القضية «همّاً وطنياً خارج التنافس السياسي التقليدي» رافضاً بشكل قاطع كل كلام بحق الرئيس تمام سلام».
ولأن هذه القضية الوطنية شاملة وتخص مؤسسة الجيش أولاً، فإن كل الكلام الذي صدر عن سياسيين ومحللين انتقدوا فيه أداء الجيش كان في غير محله وموضع انتقاد خصوصاً من جنبلاط الذي قال: «الجيش استبسل في عرسال بدليل الضابطين نور الدين الجمل وداني حرب قاتلا حتى آخر لحظة وحين نفذ الخرطوش معهما استشهدا»، واعداً «سأسعى من جهتي بما أملك من إمكانيات وإتصالات مع الرئيس سلام ومع غيره للافراج عن جميع الاسرى».
لقد مرّ لبنان بأزمات متعدّدة الوجوه في تاريخه، غير أن التضامن الداخلي والوحدة خلف الحكومة اللبنانية والجيش كفيلان بتحقيق الغاية النهائية بعودة المخطوفين من أبناء المؤسسات الأمنية إليها وإلى اهاليهم. وشدّد في هذا الإطار وزير الزراعة أكرم شهيب على أن التضامن الشعبي والسياسي «مطلوب خصوصاً وان الجيش هو الضامن للسلم الأهلي، ولا يعتقدنّ أحد أن أي جهة حزبية قادرة على حمايته، فالدولة وحدها هي التي تحمي».
ويؤكّد شهيّب لـ«المستقبل» أن الدولة «قامت بواجباتها في هذا الملف ولم تقصّر في معالجته إطلاقاً، وزيارة الرئيس سلام إلى قطر دليل إضافي على العمل المتواصل الذي يقوم به لإنهاء هذه المأساة الأزمة، واختيار قطر لم يأت من فراغ فهي صاحبة تجربة في التفاوض وقامت سابقاً بدورها في ملف مخطوفي أعزاز وحققت نتيجة إيجابية، نأمل أن تنسحب في المسألة الراهنة ايضاً»، مشيراً إلى أن العلاقة الجيدة التي تربط قطر بتركيا، والاجتماع الذي سيعقد في الدوحة بين الأتراك والقطريين بحضور اللواء عباس ابراهيم «يؤكّد أن العمل الميداني والتفاوض على حلّ مسألة العسكريين قد سلك طريقه الصحيح ولو استغرق ذلك الأمر وقتاً ليس قصيراً».
ويرفض شهيّب في المقابل أي «تشكيك بالجيش، وهو لو لم يقم بواجبه في عرسال في وجه الارهابيين وقاتلهم دفاعاً عن الأرض، لما سقط له شهداء ولا جرحى، كما لم يكن ليؤسر له جنود أبطال، ولذلك فإن الطعن بالجيش خيانة مرفوضة من أي جهة أتت».
وفي مسألة التفاوض مقابل إطلاق سراح العسكريين، يعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أن المسألة هي على «درجة عالية من الخطورة إذ إن عشرات العسكريين والأمنيين وقعوا تحت سلطة الاختطاف، وهذه المسألة تتطلب بالدرجة الأولى وعياً وطنياً ومنع حشر الحكومة في زاوية الشروط والشروط المضادة».
وقال فتفت لـ«المستقبل» إن القضية «تتطلّب ثقة كاملة بالحكومة والخلية الوزارية التي تشكّلت لمعالجة هذه القضية ومرفوض مسبقاً فرض قيود عليها تحت أي عنوان بحجة أن المقايضة مرفوضة».
ويذكّر فتفت بأن «حزب الله» الذي كان أول من أطلق موقفه الرافض لمفاوضة «الارهابيين خاطفي الجنود» سبق له أن فاوض إسرائيل التي «يعتبرها دولة إرهابية» وقبل بإجراء «مقايضة معها، كما أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله طالب في خطابه في 3 كانون الأول 2013 الدولة اللبنانية بمفاوضة الإرهابيين من أجل إطلاق سراح مخطوفي أعزاز، فكفى متاجرة بهذه المسألة خصوصاً وأن الحجج التي تقدّم واهية وهي سياسية وبكل أسف لخدمة أغراض إقليمية وليست وطنية».
وختم: «لا قيد ولا شرط في هذه المسألة والجهة التي تحاول عرقلة جهود التفاوض تتحمّل وحدها مسؤولية فشل إطلاق سراح العسكريين».
منذ أن شغرت كرسي الرئاسة في 25 أيار الماضي، تبذل حكومة سلام كل جهدها لمعالجة الشغور الرئاسي وتسيير أمور المواطنين «بالتي هي أحسن» من خلال التضامن بين كافة مكوناتها السياسية والحزبية، وجاءت قضية العسكريين المخطوفين لتزيد من كاهل الأعباء التي تتحمّلها الحكومة، الأمر الذي يتطلّب تضامناً مماثلاً ليعينها على تجاوز «القطوع» بأقل الخسائر الممكنة.