يتساءل الناس لماذا لا تتصرف قوى 8 آذار ولا سيما المسيحيين فيها حيال الاستحقاق الرئاسي كما تصرف أركان “الحلف الثلاثي” في الماضي عندما قرروا تأييد مرشح “تكتل الوسط” سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية بعدما تأكد لهم ان لا حظوظ لأي منهم بالفوز بالرئاسة، ولم يلجأوا الى مقاطعة جلسة الانتخاب خوفا من فوز مرشح الجبهة الشهابية الياس سركيس كما تفعل هذه القوى الآن، فالممارسة الديموقراطية الصحيحة لا تكون بتعريض اعلى منصب ماروني في الدولة للفراغ، انما تكون عند اجراء الاقتراع السري اذ يحق عندئذ لكل نائب الاقتراع لمن يشاء حتى الموتى او بورقة بيضاء ليحول دون حصول اي مرشح على الاكثرية النيابية المطلوبة، ولو ان الديموقراطية تسمح بمقاطعة الجلسات لكان نواب قاطعوا الجلسات للحؤول دون انتخاب كميل شمعون رئيسا للجمهورية، وبعده اللواء فؤاد شهاب وغيرهما، وكان الانقسام السياسي حادا كما هو اليوم، لكن الشعور بالمسؤولية الوطنية كان يمنعهم من ذلك، فهل بات النواب الذين يلجأون الى مقاطعة جلسات الانتخاب عديمي الشعور بهذه المسؤولية ويفضلون الفراغ في اعلى منصب في الدولة على ان يروا خصما لهم يتبوأه، وان يتركوا بتصرفهم هذا الخارج يأتي لهم برئيس ويفرضه عليهم حتى وان كان مرفوضا منهم؟
يقول مسؤول كنسي ان ليس على المسيحيين، وتحديدا الموارنة، ان يشكو من غبن لاحق بهم او تهميش، وان يتحدثوا عن دور فقدوه كونهم باتوا أقلية تابعة لزعيم هذه الطائفة او تلك، ولا ان يحمّلوا طوائف اخرى مسؤولية ذلك، بل عليهم ان يحملوا انفسهم مسؤولية ما وصلوا اليه لانهم بتشرذمهم وتفرقهم واحقادهم يجعلون الاقلية الناخبة في دوائرهم هي التي تضمن الفوز بالنيابة لمن لا يمثلهم تمثيلا صحيحا، في حين ان المذاهب المتوحدة والمتضامنة في الانتخابات والتي تجمع مرشحيها في لائحة واحدة هي التي تضمن الفوز لها ولا يكون للاقلية الناخبة في الدوائر اي تأثير على النتائج. وعند تشكيل الحكومات يفرض على المسيحيين وزراء لا يمثلون مجتمعهم وليسوا من وزن وزراء يمثلون مذاهب اخرى لأنهم منقسمون على انفسهم ولا يستطيعون كغيرهم فرض من يمثلهم في الحكومة والا رفضوا المشاركة فيها ليجعلوها حكومة غير ميثاقية. ويضيف المسؤول الكنسي ان النواب المسيحيين الذين يقاطعون جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لمصالح شخصية او خدمة لمصالح الآخرين ولم يلتزموا ما تعهدوه في لقاءات بكركي يتحملون وحدهم مسؤولية تعريض أعلى منصب ماروني في الدولة للفراغ لتتولى سده حكومة تمارس صلاحيات الرئيس بالوكالة الى اجل غير معروف، وليس كل الصلاحيات، وهذه الحكومة قد تكون معرضة للانفجار من الداخل في اي وقت لانها تتألف من نقيضين ومن ضدين اي 8 و14 آذار وعندها يكون الفراغ الشامل الذي يشل عمل كل المؤسسات ويجعل لبنان دولة فاشلة، وكيانه في خطر وصيغة العيش بين ابنائه على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم موضوع بحث توصلا الى صيغة جديدة قد لا تولد بسهولة ويحتاج الاتفاق عليها ربما الى حرب جديدة…
لقد رفض المسلمون السنّة ان يحل مجلس النواب محل حكومة ميقاتي المستقيلة ويكون سلطة تشريعية وتنفيذية في آن واحد، وقاطعوا جلسات المجلس لهذه الغاية، واقفل المجلس ابوابه في وجه حكومة السنيورة لأن الشيعة اعتبروها غير ميثاقية لأنهم غير ممثلين فيها. فكيف يقبل المسيحيون، وتحديدا الموارنة، حصول فراغ في سدة الرئاسة الاولى وان تتولى حكومة من اضداد تعيش في خطر دائم من الانفجار وتنتقل اليها صلاحيات الرئاسة الاولى الى اجل غير معروف، ولا يكون ذلك اخلالا بالميثاق الوطني؟ ولمواجهة هذا الوضع الشاذ يجب ان يعود النواب الذين يقاطعون جلسات انتخاب الرئيس، ولا سيما منهم المسيحيون الى ضمائرهم ويحضروها لتأمين النصاب لأن هذا واجب وطني مقدس.
وتساءل المسؤول الكنسي: ما المانع من ان ينسحب كل مرشحي 8 و14 آذار بعد ان يتأكدوا من ان ايا منهم لن يفوز بالأكثرية المطلوبة، ويتشاوروا وهم داخل قاعة مجلس النواب في ترشيح من يستطيع الفوز بها، لا ان يتم التشاور في الخارج ليتدخل في هذا الاستحقاق كل خارج ويفرض رئيسا للبلاد حتى وان كان مرفوضا؟
ألم ينسحب المرشح حميد فرنجيه في الماضي لمنافسه كميل شمعون عندما تأكد من انه لا يحظى بالاكثرية المطلوبة لفوزه؟ اولم يطلب الرئيس كميل شمعون من نوابه انتخاب اللواء فؤاد شهاب وكان خصمه السياسي اللدود لمنع الفراغ في سدة الرئاسة؟ اولم يعزف اركان “الحلف الثلاثي” وهم شمعون والجميل واده عن الترشح عندما تأكدوا من ان لا أمل لأي منهم بالفوز وأيدوا ترشيح سليمان فرنجيه، وكان في امكانهم مقاطعة الجلسة وتعطيل النصاب والتسبب بفراغ رئاسي كما يفعل نواب 8 آذار ولا سيما منهم المسيحيون؟
إن ايار هو شهر القرار، فإما يكون رئيس وإما يكون فراغ…