فالحملات الاعلامية ستصبح اكثر حدّة بين مسيحيّي الفريقين ولكن في إطار تسجيل النقاط ليس اكثر، فيما الأهمّ مراقبة الحركة الداخلية لكلّ فريق. فالرئيس امين الجميل يستعد بعد جلستين او ثلاث من الآن للطلب من الدكتور سمير جعجع الانكفاء جانباً وفتح المجال امام حلول اخرى بعد الوصول الى الحائط المسدود. وسيسانده في موقفه، على الاقل، بقية الطامحين الرئاسيين في فريق 14 آذار. والزيارة التي قام بها الوزير وائل ابو فاعور الى السعودية موفداً من جنبلاط، وبقيت بعيدة عن الاعلام حيث التقى الحريري، قد تصبّ في هذا الاتجاه.
امّا في الفريق الآخر فالمسألة تبدو مختلفة، ذلك انّ الكلام الذي أطلقه المستشار العام لحزب «الانتماء اللبناني» احمد الاسعد، والذي فاجأ، لا بل صَدم كثيرين، حول دعوته قوى 14 آذار الى تبنّي ترشيح النائب ميشال عون قد لا يكون «بريئاً» او مجرد «نتعة» سياسية. ذلك انّ العارفين يتحدثون عن رأي مُشابه موجود لدى بعض الأوساط الديبلوماسية الاميركية المهتمّة بالملف اللبناني. ومن هنا الهدوء الاعلامي الذي يميّز سلوك عون هذه الفترة وعلى غير عادته.
وتكشف هذه الاوساط انّ واشنطن المهتمّة كثيراً بحصول انتخابات رئاسية في المهلة الدستورية وتجنيب لبنان شغور الكرسي الرئاسي كما الفاتيكان ايضاً، طلبت من سفيرها في السعودية جوزف ويستفال إيجاد المخارج الواقعية لذلك مع القيادة السعودية. وويستفال الذي عُيّن منذ بضعة أشهر في موقعه، والآتي من ملاك وزارة الدفاع كموظف مدني الى ملاك وزارة الخارجية شأنه شأن معظم السفراء الذين سبقوه في الرياض، معروف عنه علاقاته الوثيقة مع البيت الابيض مباشرة ما يجنّبه التعقيدات الادارية.
ويسعى ويستفال الى تسويق مخرج يقضي بتجاوز خطر «الشغور» من خلال تبنّي ترشيح عون، خصوصاً انّ وصوله سيؤدي الى تمتين العلاقة معه وضمان استقرار متوازن في لبنان يسمح لاحقاً بنَسج تفاهمات داخلية ضرورية تواكب المناخ الاقليمي الجديد.
ويبدو انّ السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل، والذي يستعدّ لزيارته الثانية للسعودية السبت المقبل (3 أيار) في إطار مهمته لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، لا يبدو بعيداً عن هذا التصوّر، لا بل انّ زيارته ستهدف الى تعزيز رأي زميله ويستفال. ويبدو هيل موافقاً على انّ بطاقة سفر عودة الحريري الى لبنان هي في جَيب عون.
وتحرص الاوساط الديبلوماسية على وصف هذه الافكار بالنصيحة وليس بالقرار، خصوصاً انّ العلاقات الاميركية ـ السعودية في هذه الفترة ليست بأفضل حال. من هنا ما وصل الى عون عن الحريري: «لا مشكلة لدينا في ترشيحك، ولكن عليك تمرير ذلك سعودياً».
في المقابل لا تبدو الرياض حتى الساعة متجاوبة مع هذه النصائح ولو انها تبدو متمسّكة حتى النهاية بفَتح صفحة جديدة مع عون مهما حصل رئاسياً. وهذا سيعني انّ الاستحقاق الرئاسي قد لا يحصل ضمن مهلته الدستورية، ما يضع الجميع أمام الاحتمال الثاني وهو شغور الكرسي الاولى.
والاوساط الديبلوماسية نفسها ترى انّ الدخول في هذا الاحتمال لا بد ان يتناغم بكامله مع المستجدات الاقليمية. فالاتفاق الاميركي- الايراني على الابواب، وهو بمثابة المسار الكبير الذي لا يستطيع احد أن يعرقله. يكفي الاشارة الى وجود توافق اميركي ضمني بين الديموقراطيين والجمهوريين على هذا الاتفاق المنتظر في تموز المقبل. وفي ظل هذا الواقع باشرَت السعودية مفاوضاتها مع ايران من خلال سلطنة عمان، وهي أرفقت ذلك بتغييرات في طاقم مسؤوليها. والكلام الذي يدور همساً لدى هذه الاوساط يشير الى ولادة اتفاق ما حول لبنان في آب أو ايلول المقبلين.
ولكن ماذا لو فشلت سلطنة عمان في مسعاها بين البلدين وتجاوز الشغور فصل الصيف؟
تعتقد هذه الاوساط انّ المشكلة ستكون كبيرة عندها. قد يهتزّ الامن وسيدخل لبنان في مرحلة عدم استقرار خطرة، وهو ما يتناقض مع مصالح كل القوى في المنطقة وفي طليعتها سوريا التي تتنفّس من لبنان. اضافة الى انّ «حزب الله» لن يقبل ببقاء سلطات رئيس الجمهورية في يد رئيس حكومة من الطائفة السنية وينتمي الى فريق 14 آذار، كما انّ تيار «المستقبل» لن يقبل بعودة الفلتان الامني على الارض، فضلاً عن انّ ذلك قد يؤدي الى عودة لغة الاغتيالات تجاه الحكومة هذه المرة كتمهيد للدخول في التسوية.
لذلك، قد لا يتجرّأ كثيرون على اجتياز ايلول كخط أحمر زمني، والذي لا بد من أن ينتج عندها رئيساً وفاقياً سيتمسّك «حزب الله» بأن يكون محصناً باتفاق كامل وعريض وواضح مُتعِظاً من التجربة مع الرئيس ميشال سليمان.