أختلف كثيراً مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في العديد من المواقف السياسية، وهذا حق. ويزعجني عندما يرمي بأخطائه على الإعلام، كما يفعل كثيرون من مدمني الإطلالات الإعلامية، علماً ان الإعلام ليس بريئاً دائماً. لكني اليوم، وأنا غير الماروني، أجدني متضامناً مع صاحب الغبطة، ومؤيّداً، بل مدافعاً عن مواقفه الأخيرة، وقراراته الجريئة.
لعل انتشار خبر مراقبة تحرّكاته من عناصر استخباراتية، والقبض على المتهم في مسقطه حملايا، تخطيطاً لعمل يستهدفه جسدياً، أو أن يكون الأمر مجرد رسالة سياسية له، (قبل أن تتراجع الأجهزة الأمنية لتُعلن أن المتهم مختلّ عقلياً)، يدفع بكل منا إلى الدفاع عن البطريرك في وجه الوصاية التي ما فتئت تتدخل في شؤوننا، وتحاول إملاء إرادتها علينا، وأيضاً في مواجهة أزلامها الذين يعملون لامتلاك القرار أو التأثير فيه عميقاً بشتى الوسائل. هذه الوسائل غالباً ما تبلغ حدّ الترهيب.
أما الأمر الآخر الذي ربح فيه البطريرك الراعي جولة، فهو زيارته الأراضي المقدسة، والتي نجحت إلى حد كبير في تلافي الأخطاء، بل وأكدت على أرض الواقع، هوية الأرض والناس والأماكن المقدسة، وهذا كلام يردّده العرب والمسلمون منذ سبعين سنة من دون أي فاعلية، ومن دون أي خطوة متقدّمة لتحرير الأرض المحتلة. جلّ ما فعله المعترضون من أصحاب الهمم الوطنية والعروبية، خُطب رنانة وأناشيد ومهرجانات، لا تحرّر أرضاً، ولا تعيد مهجّراً، ولا تروي ظمأ طفل في مخيم.
لقد حان الوقت لمواجهة الحقيقة المرّة، وليت البطريرك الراعي لم يقل إنه “مجبور” على الذهاب لاستقبال البابا، واكتفى بأنه راع، وعلى الراعي أن يزور رعيّته، وأن يثبت الناس في إيمانهم وفي أرضهم وبيوتهم، وأن قوة الاحتلال لا تمنعه من لقائهم.
والبطريرك الراعي، الذي أثار جدلاً في زيارته، أثار زوبعة من جدل عندما زار دمشق في حفل تنصيب البطريرك يوحنا العاشر، ولم يلتقِ المسؤولين السوريين أيضاً بشكل رسمي. وقد أيّده كثيرون وقتذاك انطلاقاً من مبدأ وقوف البطريرك إلى جانب كنيسة متألمة في الحرب والقتل والتهجير. لكن الناشطين السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين هلّلوا لزيارته السورية، لم يوفّروه من نقد وبعض التجريح عندما قصد الأراضي المقدسة، فإذ بهم يريدون أن يفرضوا عليه، وعلى الرأي العام المتابع، تلك الوصاية التي خبروها وأحبوها وتلذّذوا بها على حساب كرامتنا الوطنية والإنسانية.
يُثبت الكاردينال الراعي أنه البطريرك، وأنه رجل المواقف، ورجل المفاجآت، وعسى أن يُكمل مسيرته بحكمة ورويّة فلا يضيع الإنجازات التي تحققت، وأن يستمر في حمل عصاه في وجه الجميع، وخصوصاً السياسيين الموارنة الذين يتفقون على أن لا يتفقوا ليُبقوا البلاد في أزمة تتجدّد ما بين الحين والآخر.