IMLebanon

أيها السياسيون.. لماذا «خطفتم» العسكريين؟

لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات عن «غزوة عرسال»

أيها السياسيون.. لماذا «خطفتم» العسكريين؟

 

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع والثمانين على التوالي.

لا الناس تبالي بالفراغ الرئاسي ولا بمَن يملأه بعد حين، مثلما لا تبالي بالانتخابات أو عدمها.

فقد انطوى أسبوع ثالث، وها هي قضية العسكريين المخطوفين لدى المجموعات الإرهابية بعد «غزوة عرسال» تستمرّ لغزاً محيراً، من دون أن يجد ذووهم حتى الآن من يقدّم لهم أجوبة تثلج صدورهم المحتقنة، أو تبدّد قلقهم المشرع على أسئلة واحتمالات كثيرة.

لا أرقام نهائية للمفقودين من العسكريين. لا أسماء. لا صور. لا عناوين. كل ما يعرفه اللبنانيون بضع صور عمّمها الخاطفون، أما الدولة اللبنانية، فتعتصم بالكتمان إلى حد أن بعض الوزراء اقترح إنزال عقوبات بالإعلام الذي يصرّ على تناول هذه القضية أمام الرأي العام اللبناني!

لا أرقام ولا أسماء.. والأنكى أن ذوي هؤلاء العسكريين ممنوع عليهم أن يكون صوتهم مسموعاً. أن يعبروا بوسائلهم. أن ينزلوا إلى الشارع. أن يُطلّوا عبر وسائل الإعلام. أن يعقدوا مؤتمرات صحافية.

والمؤسف أكثر أنهم إذا ما فكّروا أن يقطعوا طريقاً، على طريقة «الحاجة حياة» ورفاقها، سينبري لهم الجيش أولاً، لمنعهم من ذلك. تصوّروا سوريالية المشهد: لبنانيون في الشارع للمطالبة بالإفراج عن عسكريين قد يجدون أنفسهم فجأة في مواجهة عسكريين من أولادهم أيضاً، بذريعة أنهم ينفذون القانون والتعليمات!

لكن من قال إن كل ما جرى ويجري هو في صلب القانون.. والسياسة؟

إذا وضعنا قضية العسكريين، مجهولي الرقم والاسم، في السياسة، ينبغي أن تطرح أسئلة كثيرة:

ألا تستوجب جريمة خطف عشرات العسكريين و«غزوة عرسال» التئام مجلس النواب بشكل عاجل، وبعنوان الدفاع عن ملاذ اللبنانيين الأخير؟

ألا تستوجب مهمة حماية الجيش وتحصينه من نواب الأمة أن يتركوا جانباً خلافاتهم السياسية وأن يضعوا أنفسهم ومعهم كل السلطة السياسية والمؤسسات المعنية قيد مساءلة علنية أمام الرأي العام اللبناني لتقديم قراءة ورواية شبه موحّدة لما جرى في عرسال؟

ألا يستوجب ما حصل تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بصلاحيات قضائية، وهل هذا النوع من اللجان ما زال ينفع في لبنان، وأمامنا من التجارب السابقة ما يُحبط الآمال؟

كيف سنواجه الإرهاب؟

هل وضعت السلطة السياسية اللبنانية تصوراً معيناً وثابتاً لمواجهة ظاهرة الإرهاب سواء في الداخل أو عبر الحدود الشمالية والشرقية منذ اندلاع الأزمة السورية في ربيع العام 2011 حتى الآن.. أم لا؟

هل كانت سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية شعاراً مطبَّقاً على الأرض، أم أن الوقائع منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الأزمة السورية، كانت تدلّ على منحى آخر؟ وهل مارس «فريق 14 آذار» تحديداً الحياد أم أن اعتماد قاعدة «البطانيات والحليب» من الحدود التركية، عبرت عن نفسها وبأشكال مادية واضحة من الباخرة «لطف الله 2» إلى الواقعة الشهيرة في 21 تشرين الثاني 2011، عندما تلقى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، في ذلك النهار، اتصالاً من مرجع أمني لبناني يتمنى عليه الطلب من قائد الجيش العماد جان قهوجي الإفراج عن مجموعة من المعارضة السورية («النصرة») وقعت في قبضة مخابرات الجيش اللبناني في جرود عرسال، وتبين لاحقاً أنها تحظى بحماية سياسية وأمنية ومادية من أجهزة أمنية لبنانية؟

ثمة أمثلة كثيرة مدوّنة في أرشيف ضباط الارتباط في الجيش اللبناني حول حوادث تكررت وتبين أنها كانت مندرجة في سياق سياسي ـ أمني، ولكن تمّ غض النظر عنها بشكل متعمّد، قبل الانخراط الكبير لـ«حزب الله» في الأزمة السورية، وتحديداً بعد الثامن عشر من تموز 2012؟

هل قررت السلطة السياسية على مدى ثلاث سنوات ونيف من عمر الأزمة السورية، رصد موازنة استثنائية للمؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات الأمنية ربطاً بالتحدي الإرهابي الذي كان قد بدأ يطل عبر الحدود بأشكال مختلفة؟

هل رسمت السلطة السياسية استراتيجية محدّدة للتعامل مع ملف النازحين السوريين بأبعاده السياسية والأمنية والإنسانية، لتفادي تحوّله إلى قنبلة موقوتة، كما جرى في عرسال في الأول من آب الماضي، أو كما يمكن أن يحصل في أية منطقة لبنانية، في أي وقت آخر؟

واقع الجيش

هل كانت السلطة السياسية تدرك أن ثمة واقعاً غير صحي في الجيش، أعطت أحداث السابع من أيار 2008 أولى مؤشراته وبلغت ذروتها مع حادثة عرسال الأخيرة، وبالتالي، كان ينبغي أن تعطى هذه المؤسسة اهتماماً مختلفاً بحيث لا يتحوّل الجيش إلى كبش محرقة الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي، وليس خافياً على أحد أن هناك وقائع نافرة عبّرت عن نفسها في مناسبات كثيرة؟

هل كان مطلوباً فعلاً استنزاف الجيش في مهام داخلية طوال المرحلة الممتدة من شباط 2005 حتى يومنا هذا، بحيث تمّ تحويل ألويته ووحداته وأفواجه إلى شرطة محلية للفصل في نزاعات الشوارع والأحياء والأزقة، بينما كانت تكبر مهامه الحدودية من لحظة ولادة القرار 1701 حتى يومنا هذا، الأمر الذي جعله عرضة للاستنزاف، خصوصاً أنه كان يشكو دائماً من نقص العديد والعتاد والأسلحة والذخائر.. ولا من مجيب من أهل السلطة السياسية؟ واذا كان المطلوب أن يستمر الجيش في مهامه الداخلية في حفظ الأمن الداخلي، فما معنى استمرار أجهزة ومؤسسات أمنية تقوم بالوظيفة نفسها.. نظرياً؟

أين مسؤولية السلطة السياسية في قضية تسليح الجيش، ولماذا تم رفض العروض الروسية والايرانية.. وماذا عن العقود الموقعة مع دول أوروبية وبينها بلجيكا ولماذا لم توضع بعض الاتفاقات والهبات موضع التنفيذ؟

لا تقتصر المسؤولية السياسية على هذه الأسئلة، اذ أن ثمة سؤالاً كبيراً يتعلق بالإهمال المتعمد لخزان الجيش البقاعي والشمالي على وجه التحديد. لماذا تركت مناطق البقاع الشمالي والشرقي وعكار، على وجه الخصوص، بلا حد أدنى من مشاريع التنمية، الأمر الذي جعلها مشرعة على احتمالات اجتماعية وأمنية وسياسية تمسّ الاستقرار العام؟

والأهم من ذلك كله، أين مسؤولية السلطة السياسية في إبعاد الجيش عن سكة السياسة، ولماذا تقدم المغريات، من هذا الطرف أو ذاك، لكل قائد للجيش بحيث يصبح أسير الرهان على كرسي رئاسة الجمهورية؟

الخطر ما زال قائماً.. والمسؤوليات كبيرة على السلطة السياسية، وكذلك على المؤسسة العسكرية، ولعل الأخيرة مطالَبة بالإجابة عن الكثير من الأسئلة حول ما جرى في عرسال.. وللحديث تتمة غداً.