في ظلّ التصريحات الخطيرة التي أطلقها الوزير الياس بو صعب من أمام مبنى وزارة التربية، تساءَل البعض عن المواقف السلبية التي أطلقها، معتبراً أنّ الوضع المحرج لمصير الامتحانات الرسمية سيفاقم الأزمة التي انتقلت من تربوية إلى سياسية، بالإضافة إلى القضايا الساخنة العاصفة في البلد، فيما يبشِّر الأهالي والتلامذة المعتصمين أمام وزارته لفكّ أسرِ شهادتهم بأن لا حلول منتظرة في الأفق المنظور، وهم الذين هرعوا يناشدونه التحرّك لحلّ أزمتهم، باعتباره الوزير والمعني الأوّل والمرجعية الدستورية الأولى لحلّ ملفّهم الذي عُلّق …بالرغم من وعوده.
يرى البعض أنّه كان من الأولى على الوزير بو صعب أن يتّخذ موقفاً مسؤولاً بدل القلق على مصير طلّابه ومصير الشهادة اللبنانية، فيما تحذيره من أنّ عدم المباشرة في تصحيح الامتحانات سيمنع الطلّاب اللبنانيين من التوجّه إلى الخارج لاستكمال دراستهم، ليس بتصريحِ وزيرٍ مسؤول، ليستنتج البعض أنّه كان الأولى بالمسؤول والمعني الأوّل بالأزمة التربوية أن يتقدّم بإعلان استقالته من وزارة التربية بدل مناشدة الأهل والمسؤولين للمساعدة في إيجاد الحلول! إذ إنّ الأهل والطلاب لو عرفوا الحلول لما قصدوه لمؤازرتهم، وهو لو أراد فعلاً التعبير عن استيائه، فأقلّ شيء يمكنه فعله هو الاستقالة والإقرار بالفشل.
فيما يعتبر البعض الآخر أنّ وزير التربية كان على صواب حين اعتبر أنّ قضية السلسلة والتصحيح أصبحت محض سياسية، وبالتالي إنّ بقاءَه في الحكومة وتمسّكه في منصبه الوزاري هو سياسي بحت، على اعتبار أنّه غير قادر على الاستقالة، ليس تهرّباً من المسؤولية بل لأنّ قرار الاستقالة ليس في يده وحده، فيما يقف التلاميذ والأهالي عاجزين عن إيجاد الحل لقضيتهم العالقة.
في المقابل كشفت مصادر وزارية أنّ الحكومة أعطت الضوء الأخضر لبو صعب بإعطاء الشهادات دون المجازفة في إجراء الامتحانات، بعد التهديد الأخير لهيئة التنسيق بعدم التصحيح، وذلك من خلال تقييم التلميذ وعلاماته خلال الفصل الدراسي بكامله، وإعطائه الشهادة على اساس معدّل مجموع العلامات خلال الفصل الدراسي كاملاً، علماً أنّ هذا الأمر تمّ في الماضي مرّتين، بعد أن أعطِي التلامذة إفادات مدرسية بسبب الأحوال الامنية وحالة اللااستقرار في البلاد…
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ الوزير بو صعب أصرَّ على إجراء الامتحانات من دون موافقة الحكومة، فيما يلفت البعض إلى أنّ طلّات الوزير الاستعراضية لم تتّصف بالجدّية في المضمون ولا بالحنكة السياسية والتربوية، بالرغم من التعاطف الشعبوي معه في بعض الطلّات، إلّا أنّه ساهم إلى حدّ كبير في تسييس قضية التلاميذ والشهادات وربطها بملفّ سلسلة الرتب والرواتب، بالرغم من اتّهامه أمس الفريق الآخر بتسييسها، فيما يؤكّد البعض أنّ الوزير بو صعب هو وحده مَن سيَّس قضية الامتحانات الرسمية حين جرَّها إلى ملف السلسلة، في الوقت الذي يجهل هو خفايا الخطر الاقتصادي الذي يهدّد البلاد، ولم ينصَّب في وزارة المالية ليدرك فعلاً حجمَ الخطر المحدق بالبلاد اقتصادياًٍ في حال أقِرَّت السلسلة.
وبذلك تتابع المصادر أنّ بو صعب أعطته الحكومة مجتمعةً الضوء الأخضر للتفتيش عن نظراء لمراقبة الامتحانات، أو إيجاد أي مصادر أخرى مناسِبة، إنْ عبر مؤسسة الجيش أو عبر نظراء من مختلف مؤسسات الدولة، إلّا أنّ الوزير بو صعب رفض الأمر، قاطعاً الوعود لهيئة التنسيق والتلامذة معاً، في الوقت الذي لم يعطِه أيّ فريق سياسي أيَّ أمل بنهاية سعيدة.
وبالتالي، يكون بو صعب بقراره المتسرّع والعشوائي تقدَّم إلى الوراء في معالجة هذا الملف وعرقلتِه بدلاً من حلحلته، علماً أنّه قد علِم سلفاً بأنّ هذه الامتحانات لن يتمّ تصحيحها من قِبل معلّمي هيئة التنسيق النقابية، فربط مصير الطلّاب بموضوع السلسلة.
وفي سياق متصل تؤكّد مصادر تربوية أنّ بو صعب كان يستطيع إجراء الامتحانات الرسمية على حِدة، وبدون ربطها بالسلسلة، فيما يطلّ اليوم محذّراً ومُحمّلاً الدولة والحكومة والسياسيين المسؤولية.
وترى المصادر نفسها أنّ حصيلة الإنجازات «الصعبية» الحكومية كانت:
1- فشل في إدارة ملف الجامعة اللبنانية، بحيث ربطَ الوزير مشروع تفرّغ 1001 أستاذ لمجلس الجامعة من 19 عميداً.
2- فشل في حلّ ملف الامتحانات الرسمية وربطها بسلسلة الرتب والرواتب، وبالتالي جرّ الملفّ إلى التسييس.
3- تعطيل مجلس الوزراء والعمل الحكومي.
وتشير المصادر إلى أنّ هذه الإنجازات وحدها تكفي أن يكون الوزير مسؤولاً، وواقعياً على الأقلّ مع نفسه، ليعلن استقالته ويستخلص العبر، بدل الهروب إلى الأمام والقول مجدّداً أنا الوحيد الذي أقرّر.
وبعد فشله في إدارة الملفات التربوية، تشير المصادر إلى أنّه من غير المفترض بأيّ من الفرقاء السياسيين رفض استقالة بو صعب. وعمّا إذا كانت استقالته تحظى بموافقة الجنرال عون، تشير المعلومات إلى أنّ مصلحة التيار الوطني الحر الآنيّة لا يُفترض فيها أن تمانع الاستقالة، إذ إنّ بو صعب، وبسياسته الحاليّة يُدخِل التيّار بخصومة مع أطراف موالية له وأخرى خيارُها متأرجح، في وقتٍ يحاول فيه الجنرال فتحَ الخطوط معها ومع جميع التيارات الأخرى، وبالتالي يكون بو صعب قد أحرجَ الجنرال من جهة وعلّق عمل مجلس الوزراء وعلّق الأساتذة مع عمَداء الجامعة من جهات أخرى! وتراه يَتّهم تارةً الحزب الاشتراكي وطوراً حزبَ الكتائب أو باقيَ الأحزاب بالتعطيل! فيما يرى المقرّبون من الجنرال أنّ هذا الأداء لا يناسبه، أقلّه حاليّاً.
وفيما تعالت الأصوات التربوية والسياسية لتسأل الوزير بو صعب: أليس هو مَن سيَّس القضية التربوية فـ»برَم» 7 كنائس حين حطّت رحاله عند برّي وجنبلاط والرئيس الجميّل والسنيورة لحلّ أزمته؟، أطلّ أمس وحمّلهم المسؤولية مستبعداً نفسَه عنها؟
وفي معلومات لـ»الجمهورية» أنّ البعض من كبار موظفي وزارة التربية مستاؤون من أداء الوزير بو صعب، إذ إنّهم يعتبرون أداءَه «فوّتهم بالحيط»، مشيرين إلى أنّ الوزير بو صعب يتعامل مع وزارة التربية وكأنّها بلدية ضهور الشوير! بالإضافة إلى معلومات من مقرّبين داخل التيار الوطني الحر نقلوا هواجسَهم للجنرال يخبرونه بالحرف، حسب المصادر نفسها «أنّ أداء بو صعب يحرجكم ولا يريحكم، وهو يضرب انفتاحكم الأخير».
وأشارت مصادر أخرى إلى أنّ الأداء الرفضي لبو صعب ينسحب ايضاً على تعامله مع وزراء «أمل» و»حزب الله»، إذ إنّه وفي إحدى الجلسات الوزارية رفض الطرح المقدّم من الوزير حسين الحاج حسن بتعيين 10 أجَراء (أجير) بحجّة وجوب أن يكون بالتوافق، ليجيبَ الحاج حسن وقتها: «أنت ما هي علاقتك بوزارة الصناعة لتتدخّل؟ هذا تصرّف غير مقبول وغير لائق منك، فمَن قال لك إنّ الأجير يلزمه شهادة من وزارة التربية ليعيَّن؟
بو صعب يردّ
في المقابل، يوضح بو صعب أنّ «أحداً لم يسأله في موضوع الامتحانات الرسمية، وخصوصاً في مجلس الوزراء، والكلام الافتراضي على لسان المصادر الوزارية التي قالت إنّ الوزراء اقترحوا عليه أن يراقب النظراء أو ما شابههم في مؤسسات الدولة الرسمية، الامتحانات، هي اوهام وهو لم يقل الأمر لي للوزراء إنما لهيئة التنسيق.
أما بالنسبة إلى الشهادات الرسمية، يقول بو صعب أنّ «هناك متسعاً من الوقت وأنّ شهر آب لم يقبل بعد، وأنّ حقيبته مليئة بالمفاجآت»، واعداً التلامذة بحلّ أزمتهم ومصرّاً على رفضه إعطاء الافادات.
ويرى بو صعب أنه «نجح في إدارة الملف التربوي بعكس الاقاويل والاقتراحات باستقالته»، واصفاً القرار بإجراء الامتحانات في موعدها بعد تهديد هيئة التنسيق باستحالة اجرائها، بأنه «إنجاز بحدّ ذاته، وأنّ تعليق رئيس الحكومة جلسات مجلس الوزراء حتى إيجاد مخرج لأزمة الجامعة اللبنانية يُعدّ إنجازاً ثانياً، بعدما أعطيَ الملف التربوي أولويّة في مجلس الوزراء في سابقة هي الأولى من نوعها».
اما عن صرخته امس، فيبرّرها بو صعب بأنها «كانت تحذيراً وتنبيهاً للمعنيين بضرورة انطلاق التصحيح الاسبوع المقبل»، ناكراً في المقابل أن يكون قد جرَّ الملف التربوي الى التسييس، إنما ما قاله هو أنّ السلسلة هي المسيّسة وحذَّر بالتالي من جرّ الملف الاكاديمي الى التسييس وليس التلامذة».
بوادر حلّ
ويعلن بو صعب أنه «طالب بإيجاد حلّ سياسي لملف السلسلة المسيّس وبالتالي هو تخوّف من انسحاب التسييس على الملف الاكاديمي، مطالباً بفصل هذا الملف عن التجاذبات السياسية. ويكشف أنّ «هناك بوادر حل»، واعداً بوجود حلول كثيرة في جعبته، وبأنّ شهر آب لناظره قريب، رافضاً أن يطالبه أي طرف بالاستقالة، متحدّياً الجميع تحديد مكامن الفشل في إدارته الأزمة التربوية!
ويلفت إلى أنّه قد يُحضر عدداً كبيراً من الاساتذة خلال الـ21 ساعة الاخيرة، لإصدار النتائج خلال 24 ساعة، مطالباً اللبنانيين بالانتظار حتى نهاية آب والحكم حينها عليه. ويجدد طمأنة اللبنانيين بأنه لن يعطي افادات في عهده.
اما في ملف الجامعة اللبنانية، فيؤكّد بو صعب أنّه ليس ضد تفرّغ الاساتذة، فالمشكلة ليست معه انما مع بعض الوزراء الذين رفضوا فصل هذا الملف عن ملف العمداء، أما احد الوزراء فعرض ما عرضه للمزايدة لأنّه يعلم أنّ الوزير نبيل دو فريج لن يقبل بفصل الملفين، وبالتالي لست مسؤولاً عن التعطيل والعرقلة، معتبراً أنّ المشكلة الحقيقية ليست في استقالته إنما تبدأ بفراغ موقع الرئاسة الأولى وغياب المجلس النيابي عن التشريع، فانسحب التعطيل على مجلس الوزراء».
في المحصلة، يقول المراقبون إنّ الوزير بو صعب يُجلِس رئيسَ دائرة التربية التابع لدائرة المستقبل عن يساره والوزير علي بزّي عن يمينه ويطلق الاعتراضات!
وفي الداخل والخارج مشهدان:
1 – مشهد التلامذة وأهاليهم وهم تائهون يسألون وزيرَهم: مصيرهم إلى أين؟
2 – مشهد خارجي للوزير البريطاني وليم هيغ يتقدّم باستقالته.
فأيّ مشهد يستميل الوزير اللبناني، وأيّهما يراه بو صعب الأصعب؟ الإجابة عن تساؤل التلامذة وإيجاد الحلول!؟ أم يفعلها الوزير ويضطر إلى اختيار المشهد الثاني ويستقيل؟