وأميركا تستغيث بإيران!!
هي حالة الضياع السياسي التي يعيشها لبنان بفعل الخلافات المستعرة التي تعطل المؤسسات وتكرس حالة الشغور الرئاسي وكأن القيادات السياسية في هذا البلد تعيش في عالم آخر على حدّ قول اوساط متابعة لا تشعر فيه بالمخاطر التي تتهدد لبنان في ظل ما يجري وما يحصل ويدور في جواره ومحيطه المتفجر حيث تجمع القراءات السياسية على أن ما بعد مرحلة احداث العراق لم تكن كما قبلها على صعيد المشهد السياسي والأمني والعسكري في المنطقة التي تزداد سخونة وخطورة إلى حد جعلت كل من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط يتحسران على اتفاقية سايكس بيكو بعد أن وصلت أوضاع المنطقة عموما والبلاد العربية خصوصا إلى هذا الدرك من الإنحطاط والتخلف والإنهيار تحت وطأة الأصوليات المتطرفة وسلوكياتها الإرهابية التكفيرية التي تأخذ العالم العربي برمته إلى عصور قاتمة عنوانها القتل والذبح والتخلق تحت اسم الدين.
وفي هذا السياق، تتضارب المعلومات حول الأزمة المستجدة في العراق تضيف الاوساط، ولا يمكن لفريق سياسي أن يثق بالتقارير الإعلامية نسبة لغياب الموضوعية من جهة، وللأجندات السياسية من جهة أخرى، إلا أن التقارير الدبلوماسية في هذا الخصوص تؤكد بأن المنطقة قبل اجتياح الموصل من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» ليس كما قبله، ومن يدعي ويجاهر بأنه كان يتوقع ما حدث فإن سرعة التطورات الميدانية للأحداث تدل بأن شيئاً حصل لم يكن متوقعا وهذا الأمر تحاول كل دولة فاعلة ومؤثرة في المنطقة توظيف ما حصل لخدمة منطقها السياسي من غير أن يسقط ذلك في أن هناك قوى تتحمل أكثر من غيرها مسؤولية ما جرى سيما أن هناك قوى اقليمية تؤكد المعلومات الإستخباراتية المتداولة على أنها تدعم «داعش» لوجستيا وماليا وسياسيا ويمكن الإستدلال على هذا الدعم من خلال النفط الذي تبيعه «داعش» بأسعار مخفضة إلى بعض الدول المجاورة وهذا ما ساهم بشكل مباشر في جعل «داعش» مستقلة إلى حد كبير نسبيا كما أنه جعل منها التنظيم الإرهابي التكفيري الأغنى بين جميع التنظيمات التي تدور في فلك القاعدة.
إلى ذلك، أبلغت أوساط دبلوماسية بعض المسؤولين في لبنان بأن ما يجري في العراق لن تبقى تداعياته محصورة في بلاد الرافدين وحسب وبالتالي فإن وباء الخطر الإرهابي التكفيري قابل للأنتشار بسرعة في مناطق أخرى في المنطقة وخارجها، بحيث أن هناك العديد من الدول الأوروبية تنظر بعين القلق والرسية إلى ما يجري في العراق والذي يؤكد ويدل عن مدى تمدد الإرهاب وقوته. وبالتالي يخطئ من يظن وطن الأرز بمأمن عن تداعيات الأحداث العراقية سيما أن أرض لبنان لطالما كانت ولا تزال تقع ضمن أهداف الإرهابيين الذين سبق لهم أن وجهوا ضرباتهم الإجرامية ضد مراكز الجيش اللبناني وضد منطقة الضاحية الجنوبية التي هناك مخططات لا تزال حاضرة لإستهدافها ضمن سياق الخلفيات الطائفية والمذهبية التي تغذي الصراعات القائمة في سوريا واليوم في العراق ولا يعرف أحد إلى أين ستصل غدا هذه الحرب التي تغذيها الأحقاد والعصبيات والمدعومة من قبل قوى إقليمية كبرى التي على ما يبدو أنها قررت اسقاط النموذج السوري أو السورنة على بقية دول المنطقة وذلك ضمن سياق صراع هذه الدول مع الجمهورية الإسلامية التي انتصرت في جميع المواجهات السياسية والعسكرية والأمنية سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو أي ساحة اقليمية أخرى، وذلك ناهيك عن النجاح الدبلوماسي الساحق الذي قلب الموازين الدولية والإقليمية لمصلحة إيران من خلال ابرام طهران والدول اتفاق جنيف في تشرين الثاني الماضي والذي ينص على وجوب توقيع الجانبين اتفاقاً شاملاً يطوي الملف النووي، بحلول 20 تموز المقبل، وتجدر الإشارة بأن اتفاق جنيف تم التمهيد له عبر المفاوضات السرية المباشرة بين واشنطن وطهران وليس من المستبعد أبدا بأن تكون القنوات بين البلدين مفتوحة على بحث كافة قضايا المنطقة وترتيب جميع ملفاتها.
الأوساط أشارت الى أن ترحم بعض زعماء لبنان على اتفاقية «سايكس – بيكو» نابع من معطيات ومعلومات متوفرة عند هؤلاء الزعماء الذين يرون في هذه المعطيات والمعلومات مؤشر على أن المنطقة العربية ذاهبة نحو مجهول قاتم سمته القتل والذبح والدمار والإنحطاط على كافة المستويات الفكرية والسياسية والأخلاقية، وبأن هذا المستقبل القاتم الذي ينتظر المنطقة العربية يدفع هؤلاء الزعماء للترحم على سايكس – بيكو بعد أن أصبحت داعش ومثيلاتها من التنظيمات الإرهابية هي المثل والمثال في تصفية الصراعات التي أصبحت عبثية بعد أن فقدت معانيها السياسية لتتخذ من العصبيات الطائفية والمذهبية والإثنية مصدرا أساسيا لهذه الصراعات التي قد تمتد لسنوات طويلة من شأنها أن تقضي على ما تبقى من أسس الدولة المدنية الحديثة التي على ما يبدو لا مكان لها في أجندات بعض الدول الخليجية والعربية التي تتخذ من الوهابية عقيدة لحكمها، ولا ننسى في هذا المجال بأن هذه الوهابية كانت ولا تزال المنطلق الفكري والعقائدي لتنظيم القاعدة وما تبعه من تنظيمات إرهابية تكفيرية.
ولفتت المصادر عينها بأن السبب الرئيسي للتحول الجاري في السياسة الأميركية في المنطقة يخطئ من يظن بأن تفسيراته فقط مرتبطة بمفاوضات الملف النووي بين الدول الـ 5 +1 مع إيران، فالأمر لا يحتاح إلى تأويلات وتفسيرات كثيرة وعميقة للإستنتاج بأن هذه التحولات ليست ببعيدة أبدا عن الأخذ بعين الإعتبار بواقع خطورة الإرهاب التكفيري الذي يتخذ من الإسلام وتحديدا من المذهب سني ركيزة أساسية لتنامي قوته وتوسيع انتشاره بحيث أن هذا التحول في السياسة الأميركية والذي بدأت بوادره تظهر منذ مدة ليست ببعيدة من خلال العلاقة المتبدلة تجاه بعض دول المنطقة وتحديدا تجاه المملكة العربية السعودية التي شعرت باكرا بأن التقارب الأميركي – الإيراني في المنطقة يجري على حساب مصالحها بالدرجة الأولى وذلك بعد أن فشلت السعودية في أن تكون شريكا أساسيا للغرب في محاربة الإرهاب. لذلك فإن الأميركيين المنسحبين من المنطقة ينظرون على أن إيران قد تكون شريكة أساسية لهم للتصدي لهذا الإرهاب التكفيري بكافة أشكاله وتفرعاته سواء في سوريا والعراق أو أي منطقة أخرى. فواشنطن التي سبق لها أن استعانت بالأصوليات المتطرفة لمحاربة الشيوعية السوفياتية لن تتوانى عن التعاون مع الجمهورية الإسلامية ومع أي قوة إقليمية أخرى في المنطقة لمواجهة تصاعد الخطر الإرهابي الذي يتهدد المصالح الأميركية والغربية في المنطقة والعالم.