أيّ محاذير لقرار الحسم السريع ضدّ المسلّحين الإرهابيين؟ الهجوم على الجيش في عرسال لم يكن صدفة
مُخابرات خارجيّة أعطت الضوء الأخضر للتنظيمات الإرهابيّة
موقف المجتمع الدولي في دعم الجيش اللبناني في حربه ضد الإرهاب واضح المعالم والأبعاد السياسية والدبلوماسية ولا يحتمل تأويلا إلا أن هذا القرار المعلن لا يلغي ولا ينفي بأن هناك أجهزة مخابرات خارجية متورطة في تحريك قوى الإرهاب على أرض لبنان وذلك على غرار المشهد الحاصل في الساحة السورية والساحة العراقية حيث التنظيمات الإرهابية تطلق العنان لعملياتها الإجرامية بحق الناس دون رادع ديني أخلاقي، والمتابع عن كثب لكواليس الأحداث الجارية في المنطقة وفي لبنان يدرك ويعلم بأن تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات التي تتبنى فكر ونهج تنظيم القاعدة الإجرامي هي تنظيمات تتلقى الدعم والإحتضان المالي واللوجستي والعسكري من قبل أجهزة استخبارات دولية وإقليمية تقوم بتوظيف تلك التنظيمات في السياق الذي يخدم مصالح تلك الدول في منطقة الشرق الأوسط.هذا ما قالته مصادر دبلوماسية بارزة لـ «الديار».
المصادر أشارت بأن المناوشات الأمنية التي كانت تحصل في الآونة الأخيرة في جرود منطقة البقاع الشمالي على تخوم الحدود اللبنانية – السورية بين مسلحي «جبهة النصرة» وحزب الله والتي أدت الى وقوع قتلى بين الفريقين كانت تحمل وراءها معطيات أمنية عديدة تدل وتؤشر على أن هناك شيء ما غير طبيعي يحصل في المنطقة وينذر بوقوع انفجار كبير سيما أن هذه المناوشات الأمنية ترافقت مع ارتفاع وتيرة التوتر المذهبي على نحو مخيف ومع ارتفاع نسبة الممارسات الميليشياوية التي كانت تقوم بها المجموعات المسلحة الإرهابية التي دخلت عرسال وجرودها تحت عنوان المعارضة السورية لتنفيذ مخططها الإجرامي ضد جيش لبنان وشعبه في بلدة عرسال سيما أن بعض القوى السياسية في لبنان عن جهل أو تواطؤ وبخلفيات سياسية ومذهبية ضيقة قد وفرت البيئة الملائمة من خلال مزايدتها في الدفاع عن الوضع الشاذ للاجئين السوريين في بلدة عرسال ومنع الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والقضائية على وضع حد للتفلت الأمني المتصاعد في بلدة عرسال وجرودها قد ساهم في تدحرج كرة الثلج التي تحولت إلى قنبلة موقوتة انفجرت بوجه الجيش والقوى الأمنية التي سيكون عليها تقديم فاتورة مضاعفة من التضحيات والشهداء لإعادة الوضع إلى طبيعته في بلدة عرسال وجوارها ومحيطها الذي تحول إلى بؤر للإرهاب التكفيري الذي يستخدم العصب المذهبي لإذكاء الفتنة المذهبية السنية – الشيعية بين أبناء المنطقة الواحدة التي لطالما تميزت بتعايشها السلمي والوطني بين كافة مكونات في أحلك وأصعب الظروف التي مر بها لبنان.
وفي السياق عينه، أكدت أوساط سياسية واسعة الإطلاع بأنه وبعيدا عن أصوات بعض النشاز الطارئة والدخيلة على المشهد الوطني فإن الدولة اللبنانية وبغطاء شعبي داخلي ودعم معلن من المجتمع الدولي قد حسمت أمرها بكل قواها ومكوناتها السياسية والعسكرية في خوض الحرب على الإرهاب والإنتصار في هذه الحرب الضروس مهما بلغت الخسائر والتضحيات لأن كل الخسائر والتضحيات تبقى أقل بكثير من انكسار لبنان وشعبه أمام قوى التطرف الظلامية، إلا أن خوض معارك هذه الحرب لا تعني التسرع والتهور بل تتطلب النفس الطويل والتعامل مع كل معركة من المعارك في مواجهة الإرهاب بالحكمة والعقلانية التي تقتضيها ضرورات المعركة وذلك في السياق الذي يقلل الخسائر المتوقعة على الجيش والقوى الامنية والمواطنين.
وأشارت الى ان الوضع الأمني في البلاد بالغ الخطورة والأمور مرشحة نحو المزيد من التدهور والتفجر الأمني في أكثر من منطقة وأن كانت كل المؤشرات والمعطيات الميدانية في المعركة الجارية في عرسال والتي يخوضها الجيش اللبناني ضد الحراك الإرهابي التكفيري تدل على أن انتصار الجيش في هذه المعركة الجديدة ضد الإرهاب التكفيري هو أمر محسوم على الرغم من أن هذا الإنتصار قد تكون كلفة خسائره البشرية في صفوف القوى العسكرية كبيرة وذلك نظرا – وبناء على معلومات أمنية ميدانية دقيقة – للأعداد الكبيرة للمسلحين المزودين بتعزيزات عسكرية كبيرة وبتقنيات متقدمة منها على سبيل المثال القناصات البعيدة المدى والمناظير الليلية بالغضافة إلى أن راجمات الصواريخ ومدفعية الميدان والأسلحة المتوسطة للمسلحين الإرهابيين جرى نصبها على سكك متحركة داخل المغاور الموجودة في المرتفعات المجاورة للجرود المطلة على بلدة عرسال ما يفسح المجال أمام هؤلاء المسلحين في خوض حرب طويلة في حال توخي الحذر وتجنب الخسائر البشرية في صفوف القوى العسكرية اللبنانية أما وفي حال اتخاذ القرار السياسي والعسكري اللبناني لحسم الأمور سريعا في أرض الميدان فأن هذا القرار دونه محاذير الخسائر البشرية العالية التي قد تلحق بعناصر الجيش التي ستتولى اقتحام بلدة عرسال ومن ثم تلالها لتنظيفها من أوكار الإرهابيين التكفيريين الذين يعيثون فسادا واجراما على أرض البقاع.
ولفتت الأوساط عينها الى أن المعلومات الأمنية الميدانية تشير بأن هذا العدد الهائل من المسلحين الإرهابيين الموجودين بعتادهم وجهوزيتهم وتجهيزاتهم العسكرية والقتالية العالية في بلدة عرسال وجرودها المتصلة بالأراضي السورية يؤكد ويثبت نظرية الجيش اللبناني بأن الإعتداء على مراكزه كان مخططا له ولم يكن عابرا أو بالصدفة لمجرد توقيف مطلوب سوري من قبل أجهزة المخابرات التي تعمل وفقاً للأصول العسكرية والقانونية المرعية الإجراء على كافة الأراضي اللبنانية.
واشارت الى ان المفارقة الأبرز في هذا المشهد يكمن في ظهور تنظيم داعش المفاجئ في جرود عرسال ومشاركة مقاتلي هذا التنظيم بكثافة وبشكل أساسي في العمليات العسكرية ضد مراكز الجيش وفي عملية اجتياح بلدة عرسال التي تضم عشرات الألاف من النازحين السورييين في حين أن المشهد العام في عرسال وجرودها كان يؤشر إلى وجود مقاتلي تنظيم جبهة النصرة بشكل محوري وأساسي في المنطقة إلا أن هذا الأمر انقلب راسا على عقب بشكل مفاجئ حيث حل تنظيم داعش في صدارة المواجهات العسكرية. وهذا أمر يطرح أكثر من علامات استفهام خصوصا لناحية توقيت الهجوم الإرهابي المباغت على مراكز الجيش حيث أن هناك دلالات كثيرة تؤكد بأن هناك أجهزة مخابرات خارجية أعطت الضوء الأخضر لتنظيم داعش لشن اعتداءاته الإجرامية على مراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي في بلدة عرسال ومحيطها وذلك في خضم الحرب الهمجية والإجرامية التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة ما يدل ويؤكد بأن تحريك جماعة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية يتم من قبل أجهزة استخبارات إقليمية وعالمية تستفيد من وجود هذه التنظيمات الظلامية المتعطشة للنهب والسفك والإجرام في أي وقت والتي تتحرك كما تدل وقائع الأحداث وترابطها بالإتجاه الذي يخدم أجندات مصالح تلك القوى الدولية والإقليمية التي لها علاقات استخباراتية وعسكرية ومالية ولوجستية مع تلك التنظيمات الإرهابية على اطلاقها.