IMLebanon

إتجاه – “داعش” وما وراءها…

من السذاجة الاعتقاد أن “داعش” و”النصرة”، أو أي من اشتقاقات “القاعدة”، هي بمثابة نتاج صاف للبيئات الشعبية، وللتحولات في الجماعات الإسلامية المحلّية. هذا لا يعني أنها هبطت بالمظلة من السماء أو أنها نبت شيطاني من الأرض، أو من غامض علم الله، ففي عالمنا بات كل شيء تقريباً محسوباً ومكشوفاً، وهذا ليس حديثاً عن “مؤامرة”، فالعالم غدا واضحاً “وجريئاً” إلى حد وضع أفكار و”ميديات” وأموال تحت تصرّف جماعات كهذه، التي تظهر حيث يتقرّر لها.

في حالة “داعش” ثمة جماعات تتنقّل داخل سوريا والعراق، وعبر الحدود، بسيارات وعربات مصفحة وسلاح متوسط، وفي حالة “النصرة”، ثمة “متطوعون” يأتون بطائرات، مع تسهيلات مرور، من دول تشمل الشيشان (في روسيا الاتحادية) وتونس والسعودية والكويت والأردن وبريطانيا وألمانيا، علماً أن الانزياح من “داعش” إلى “النصرة” وبالعكس في غاية السهولة، خاصة في سوريا. وعموماً فالأسماء معروفة، وكان معظمها في سجون سوريا والعراق والأردن، مثلاً. وثمة حديث عن أن معظم رجالات بن لادن، وأفراداً من عائلته، كانوا وجدوا ملاذاً لهم في ايران، وأن الظواهري في هذه “الضيافة” أيضاً، وحتى في بريطانيا يتحدثون بالأسماء عن عودة 300 وبقاء 500، ممن انخرطوا في هذه الجماعات.

ليس القصد تبرئة البيئات الشعبية “السنّية”، فهي المتضرّر الحصري من “داعش” و”النصرة”، ولا مقابلة هذه الجماعات بكتائب أبي الفضل العباس وعصائب الحق وحزب الله، وإنما لفت الانتباه إلى أن البيئات الفقيرة والمعتّرة والمهمّشة، مادياً وتعليمياً، لا تستطيع إنتاج جماعات كهذه، لأنها بالكاد تستوعب الفرائض الدينية وخطب “الجمعة”، فمن أين لها أن تستوعب ابن تيمية والمودودي وسيد قطب مثلا، هذا إن سمعت بهم؟ أيضاً، معلوم أن التدين الشعبي السائد مرن ومعتدل، وأن تعاطف بعض القطاعات مع تيار “الاخوان”، لا يعني استيعاب أفكارهم. وقد شهدنا أن الوضع في سوريا والعراق كشف أن “الإخوان” لا يحظون بهذه الشعبية، وأن جمهور “السنة” بالذات في مصر وتونس، وليس غيره، هو الذي اضعف وجودهم في الحكم فيهما.

هكذا الأجدى التمييز بين الحقيقي والمصطنع في نشوء هذه الظواهر، وتفسير صعودها، ومكامن قوتها، في هذه الفترة القصيرة، والتي لا تقتصر على عنف النظام السوري، وطائفية المالكي وتفرّده، فهذا جزء من الحكاية. والأرجح أن الجزء الأكبر من الحكاية يكمن في محاولات النظامين المذكورين تخليق “غول” أخر، لصدّ الحراكات الشعبية، وحرفها وتشويهها، كما يكمن في الأجندات الخارجية المتضاربة، التي تتلاعب بالوضعين السوري والعراقي، والتي ترسمها دوائر مخابرات دول، سواء تلك التي تدافع عن الأسد والمالكي، أو تلك التي تقف ضدهما.