خطفَ الحدث العراقي كلّ الاهتمامات المحلية التي، على أهميتها، ظهرت ثانويةً أمام الانقلاب الذي شهدَته الساحة العراقية التي استحوذت على متابعة دولية وإقليمية دقيقة، خصوصاً أنّ ما حصل يندرج تحت عنوانين: إرتفاع منسوب الصراع والتعبئة والتشنّج المذهبي، واهتزاز ميزان القوى بين محاور الصراع في المنطقة، الأمر الذي انعكسَ ترقّباً في لبنان ومزيداً من التبريد السياسي، بانتظار جلاء حقيقة الصورة لناحية ما إذا كانت قابلة للاحتواء السريع، أم أنّها شرّعت الباب أمام أزمة مفتوحة، وذلك من أجل أن يُبنى على الشيء مقتضاه. وهذا ما يفسّر، إلى حدّ بعيد، تراجع الحراك السياسي إلى حدّه الأدنى، أو هذا في الجانب الظاهر على الأقلّ، لأنّ الكواليس السياسية لدى كلّ القوى تضجّ بالتساؤلات، وتعبّر عن مخاوفها من المشهد الأصولي الذي أطلّ برأسه من العراق، وتحاول البحث عن أحزمة أمانٍ وطنية كفيلة بتحييد لبنان عن الإعصار الجديد، سيّما بعد عودة المخاوف من نغمة التفجيرات، وذلك على اثر ورود معلومات لـ»حزب الله» عن نيّة جماعات إرهابية بتفجير مستشفيَي الرسول الأعظم وبهمن، حيث قام بخطّة انتشار احترازية وعملية رصد ومراقبة وتفتيش.
صحيح أنّ اللبنانيين تنفّسوا الصعداء أخيراً، بعدما تمّكنوا من مشاهدة مباريات كأس العالم على شاشاتهم عبر الكابلات ومن منازلهم، إلّا أنّ لبنان لم يخرج بعد من دائرة الخطر الذي يتعاظم يوماً بعد يوم، على رغم التوافق على تحييد ساحته وتحصين الاستقرار الأمني، مع غياب ايّ معطى جديد يؤشّر الى تقليص فترة الشغور الرئاسي وإمكان التوافق على رئيس جمهورية جديد.
وفي هذا الوقت تترقّب الأوساط السياسية الخط البياني للمواقف التي دأبَ النائب وليد جنبلاط على إطلاقها في الأسبوعين الأخيرين، حيث بدا واضحاً ارتفاع حدّة لهجته السياسية ضد محور الممانعة من الباب السوري، في رسالة انفتاح متجدّدة على السعودية، وفي لحظة تحوّل استراتيجية في المشهد الإقليمي، وفي ظلّ معلومات أشارت إلى أنّ لقاءَه مع الرئيس سعد الحريري يؤشّر إلى تطوّرين: مجرّد حصوله في هذا التوقيت ينمّ عن رسالة سياسية ورغبةٍ في مدّ الجسور والتعاون، خصوصاً أنّ ما كان متعذّراً منذ أسبوعين يبدو أنّه تبدّل اليوم. والمسألة الثانية تتّصل بمضمون اللقاء الذي يرجّح أن يتطرّق مباشرةً إلى الأسماء بعد الفيتوات التي تقصَّد جنبلاط إعلانَها في إطلالاته المكثّفة عن سابق تصوّر وتصميم، في محاولة منه للانتقال إلى المرحلة الثانية، بعد انسداد أفق المرحلة الأولى، والمتمثلة بوضع لائحة من الأسماء بغية الشروع في جَسّ النبض حولها وصولاً إلى الاتفاق على اسم الرئيس العتيد.
ومن هنا يكتسب اللقاء بين الحريري وجنبلاط أهميته، ولكنّ هذا لا يعني أنّ العدّ العكسي لانتخاب الرئيس بدأ، خصوصاً في ظلّّ تمسّك رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون بترشيحه، وحرص «حزب الله» و»المستقبل» على عدم الاصطدام به، إلّا أنّ التطورات العراقية قد تضع جميع القوى أمام ساعة الحقيقة، وفي طليعتها عون، الأمر الذي يعني تسريعاً للانتخابات الرئاسية على قاعدة تَبدية المصلحة الوطنية على أيّ اعتبار آخر، وذلك عبر إقفال أيّ ثغرة سياسية يمكن أن تنفذ منها القوى المتربّصة شرّاً بلبنان. وفي انتظار اللقاء بين الرجلين، والذي لم يتحدّد موعده بعد حتى الساعة، توجّه جنبلاط الى باريس لعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين الفرنسيين، إضافة الى الرئيس السابق العماد ميشال سليمان.
وفي المقابل يغادر الحريري المغرب غداً الى باريس، ويُتوقع ان يلتقي سليمان قبل ان يلتقي الأخير الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بعد غد الخميس في قصر الإليزيه، على ان يجتمع الحريري مع جنبلاط لاحقاً.
«التيار الحر»
وعشية المواقف التي سيعلنها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في حواره المتلفز، قالت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» لـ»الجمهورية» تعليقاً على لقاء الحريري ـ جنبلاط المرتقَب، وهل يتوجّس منه «التيار»: «إنّنا نرحّب ونشجّع كلّ خطوة، ونتمنّى ان يكون هذا اللقاء إيجابياً وأن يحقّق خرقاً في الموضوع الرئاسي».
وهل سيؤثّر ذلك على التقارب بين «المستقبل» و»التيار»، أجابت المصادر: «على العكس، فنحن نعتقد أنّ الحريري هو مَن سيؤثّر على جنبلاط ويؤكّد له أهمّية التقارب بين التيّارين».
ورأت المصادر أنّ حظوظ ترشيح عون كبيرة جداً».
وتعليقاً على إعلان جنبلاط أنّه سيبلغ إلى الحريري أنّه لن ينتخب لا عون ولا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أجابت المصادر: «لقد اعتدنا على جنبلاط ان يغيّر رأيه ويبدّل موقفه عندما تأتي التسوية الكبرى، ونعتقد انّه سيفعل الامر نفسه هذه المرّة أيضا».
المشنوق في الرابية
في غضون ذلك، لفتَت زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الرابية، مؤكّداً بعد لقائه عون «أنّ الحوار بيننا وبينه مستمرّ ودائم ولن يتوقّف». ونفى ان يكون حملَ أيّ رسالة له من الحريري.
ورأى المشنوق أنّ أزمة الشغور الرئاسي تحتاج مزيداً من التوافق والنقاش والبحث عن القدرة في الوصول الى رئيس وفاقيّ، لا توافقي. وأكّد عدم التخلّي عن الحلفاء في 14 آذار، مشيراً إلى انّ مرشّح 14 آذار هو نفسه. وأوضح أنّ الموضوع الذي بحثه مع عون لا علاقة له بأيّ تسميات.
كذلك نفى المشنوق ان يكون قد طرحَ تأليف حكومة مصغّرة، موضحاً أنّه طالب «بتأليف خليّة أزمة للبحث في الأزمات الضرورية».
وقالت مصادر الطرفين لـ»الجمهورية» أن لا علاقة للّقاء بالحوار الجاري بين التيارين الأزرق والبرتقالي، وإنْ قاربَته محادثات المشنوق في الرابية إلّا أنّ الموضوع لم يكن اساسياً.
وأوضحَت أنّ اللقاء تمّ بناءً على طلب عون، لمناقشة عدد من القضايا العائدة لعمل الوزارة. وأشارت الى انّ البحث تناول حجم المخاوف التي عبّر عنها المشنوق نتيجة الأجواء التي خلّفتها التطوّرات في العراق وسوريا وانعكاساتها على لبنان، معتبراً أنّه لا يمكن ضمان عدم انتقال العدوى العراقية بعد السورية الى بعض المناطق اللبنانية التي تشكّل نقاط ضعف في الساحة الأمنية، ولذلك اتّخذت تدابير إستباقية على أعلى المستويات، ولم يتوقّف رصد الجماعات أو الخلايا النائمة طيلة الفترة الماضية، لا بل ارتفعَت وتيرتها مع اندلاع التوتّر في العراق.
قهوجي في بعبدا
وفيما تستمرّ أبواب قصر بعبدا مقفلة، تفقّد قائد الجيش العماد جان قهوجي، في إطار جولاته على القطع والوحدات العسكرية، لواءَ الحرس الجمهوري في بعبدا، حيث جال في وحداته ومراكزه، واطّلع على نشاطاته المختلفة.
مؤتمر لدعم الجيش
وفي سياق متصل، أعلنت الخارجية الإيطالية أنّها ستستضيف اليوم مؤتمراً وزارياً يخصّص لدعم القوات المسلحة اللبنانية بمشاركة كلّ الدول المساهمة في دعم الدولة اللبنانية. وسوف تَفتتح أعمالَ المؤتمر وزيرتا الخارجية والدفاع في الحكومة الإيطالية، فيدريكا موغيريني وروبرتا بينوتّي، تعقبهما كلمات من ممثلي الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة.
باسيل والشراكة
إلى ذلك، قال وزير الخارجية جبران باسيل: «نريد اليوم أن نصنع شراكة مع «المستقبل» تثمر لهم ولنا وللوطن، ولكنّ للشراكة أصولاً يجب إحترامها، معتبراً أنّ هذه الشراكة تصنع شراكة أقوياء وتوصل الأقوياء الى السلطة حتى يُبنى بلد قوي.
أضاف باسيل: «لا نخجل أن نقول إنّ هذه الشراكة نريد التأسيس لها والعمل لصالحها، ولكنّنا نرفض الغشّ فيها، لذا نحن لا نخجل من القول إنّنا لا نريد أيّ رئيس، والخيار الذي يوضع أمام اللبنانيين اليوم هو بأنّ أيّ رئيس أفضل من الفراغ، وهذا ما لا نقبل به». وشدّد على وجوب ملء الفراغ برئيس قوي وميثاقي، وقال: «لقد مَللنا من رؤساء لا يمثّلوننا خير تمثيل. لقد خضعنا للتجربة وعلينا أن نميّز بين الفراغ ورئيس لا يمثّل طموحاتنا».
وإذ أكّد باسيل أن لا نقاش على صلاحيات رئيس الحكومة أومحاولة المَسّ بها، سأل: «هل صلاحيات رئيس الجمهورية هي كالتفليسة توزّع على 24 وزيراً، وأن يتمّ التعاطي في مجلس الوزراء مع هذا الأمر وكأنّه طبيعي إعتيادي؟ وكأنّنا نقول إنّه بوجود رئيس أو عدم وجوده «البلد ماشي والأمور ماشية والحكومة ماشية)»، وبالتالي إنّ الوكالة التي يتمتّع بها مجلس الوزراء بغياب الرئيس هي وكالة واضحة باستثنائيتها وبكيفية التعاطي معها ولا تتجزّأ حِصصاً، لذا فالموضوع ليس موضوع صلاحيات رئيس الحكومة بل صلاحيات رئيس الجمهورية».
«حزب الله»
وفي المواقف، جاهرَ «حزب الله» علَناً بأنّه يريد رئيساً لا يقف في طريقه. وقال النائب حسين الموسوي: «إنّنا نريد رئيساً لا يقف في طريقنا عندما ندافع عن كلّ لبنان واللبنانيين». أمّا النائب حسن فضل الله فأوضحَ أنّ «هناك مَن لديه حيثية حقيقية في بيئته على المستوى الوطني، ويستحقّ أن يكون في موقع الرئاسة إذا قرّر الفريق الآخر أن يقبل بهذه المعادلة».
إنتشار أمني لـ«الحزب»
وأمس نفّذ «حزب الله» والجيش انتشاراً أمنياً كثيفاً على المداخل الرئيسية للضاحية الجنوبية، واتّخذ إجراءات أمنية مشدّدة الى جانب الإجراءات التي يأخذها الجيش عادةً.
وعلمت «الجمهورية» أنّ هذا الانتشار المسلّح مرَدّه الى تلقّي الحزب معلومات عن نيّة جماعات إرهابية بتفجير مستشفيَي الرسول الأعظم وبهمَن، حيث قام الحزب بخطة انتشار احترازية وعملية رصد ومراقبة وتفتيش.
وأكّدت مصادر أمنية لـ»الجمهورية» أنّ التهديدات بإعادة استهداف الضاحية وأماكن تابعة لـ»حزب الله» تصاعدَت بعد تمدّد داعش في العراق.
ونفَت المصادر نفسها ما تردَّد أمس عن اكتشافِ نفق يربط مخيّم برج البراجنة بمخيّم صبرا وشاتيلا ومصادرةِ الآلة الحافرة.
هذا، ولوحظ أنّه بعد أحداث العراق بدأت تُرفع لافتات وشعارات مؤيّدة لداعش في بعض المناطق والمخيّمات الفلسطينية.
رأس الحرف
وفي المقابل أفادَ مراسل «الجمهورية» في البقاع أنّ «قصف القوات السورية على بلدة الطفيل استمرّ طوال يوم امس في عملية تمشيط واسعة للبلدة، أسفرَت عن تضرّر عدد كبير من المنازل وسقوط عدد من الجرحى، فيما حشدَ «حزب الله» قواته في منطقة رأس الحرف واستقدم عدداً كبيراً من العناصرتحضيراً لاقتحام البلدة».
الجلسة التشريعية
وعلى مسافة يومين من موعد انعقاد الجلسة التشريعية المقرّرة لسلسلة الرتب والرواتب، تكثّفت الاتصالات السياسية في كلّ الاتجاهات، ومالت الأجواء نحو التفاؤل من دون ان تتبلور حتى الآن صيغة اتفاق نهائي على الملف.
وأعلن وزير التربية الياس بوصعب، بعد اجتماعه بهيئة التنسيق النقابية أمس، أنّه «إذا قرّر الأساتذة تصحيح الإمتحانات سأكون الى جانبهم، وإذا قرّروا المقاطعة سأكون الى جانبهم أيضاً». وفيما أشار الى أنّ «هناك مليون و400 ألف مسابقة يجب تصحيحها» أكّد أنّ الامتحانات لن تصحَّح من دون إقرار السلسلة أو موافقة هيئة التنسيق».
وفي هذا السياق، أكّد رئيس هيئة التنسيق النقابية حنّا غريب بعد لقائه بو صعب، «الإستمرار في مقاطعة أسُس التصحيح والتصحيح حتى إقرار الحقوق في سلسلة الرتب والرواتب»، وقال: «إنّ الهيئة ما زالت على موقفها»، داعياً «الكتل النيابية الى حضور جلسة 19 الحالي النيابية والتصويت على حقوقنا».
كنعان لـ«الجمهورية»
بدوره، أكّد النائب ابراهيم كنعان لـ»الجمهورية» أنّه يحاول من خلال اللقاءات التي يجريها، وآخرُها مع النائبين بهية الحريري وجمال الجرّاح، حصرَ نقاط الاختلاف بين الفرقاء السياسيين، كموضوع زيادة الضريبة على القيمة المضافة التي يطالب نواب كتلة «المستقبل» بزيادتها 1% على كافّة السلع، فيما يطالب نوّاب تكتّل «التغيير والإصلاح» بزيادتها إلى 15% على الكماليات فقط، إضافةً إلى تعرفةِ الكهرباء التي تشكّل نقطة خلاف بالنسبة للأرقام، والبناء المستدام.
أمّا بالنسبة إلى كلفة السلسلة، فتكمن نقاط الخلاف في إعطاء 6 درجات للمعلمين والمتقاعدين.
الجرّاح لـ«الجمهورية»
وفي هذا السياق، قال النائب جمال الجرّاح لـ»الجمهورية»: «لا نزال نحاول إيجاد حلول ومخارج لموضوع سلسلة الرتب والرواتب، وهي لا تزال مدار بحث، خصوصاً في ما يتعلق بالواردات، ونحاول جهدنا التوصّل الى نتيجة قبل الخميس موعد الجلسة المقرّرة لإقرار السلسلة.
وأكّد الجراح أنّ الأجواء إيجابية حتى الساعة، رافضاً الكشف عن الصيغة النهائية لمشروع السلسلة التي يتمّ التداول بها. (تفاصيل ص 12و13).
فضيحة الضمان الإجتماعي
إلى ذلك، تكشّفَت أمس خيوط فضيحة اختلاس وتزوير جديدة في فرع الضمان الاجتماعي في شكّا. وبلغت قيمة الاختلاس 923 مليون ليرة، تورّط فيها موظفون وصيادلة وأطبّاء. ويأتي كشف العملية في إطار الورشة الإصلاحية التي بدأها وزير العمل سجعان قزي، والتي لن تتوقّف على مكتب أو اثنين، كما أكّد لـ»الجمهورية»، بل ستتواصل لبلوغ الإصلاح المُنجز.
وروى قزّي لـ«الجمهورية» أنّه سبق واطّلع منذ حوالي الشهر على هذا الملف، «وكنّا نتابع تطوّراته بعيداً من الإعلام لننجزَ التحقيقات الإدارية دون أيّ تأثير محَلي. وبعدما استكمِلت إدارة الضمان التحقيق تمّ تحويله الى القضاء.
وأكّد قزي أنّ الضمان غداً لن يكون مثل الضمان أمس وأنّ مشروع إصلاح الضمان وتنقية إدارته وجعله مؤسّسة تتسم بالشفافية هو مشروعٌ قيد الإنجاز.(تفاصيل ص 11)