لا يمكن توصيف ما جرى أمس في الروشة بأنّه الانفجار الثالث بعد ضهر البيدر والضاحية، لأنّ الأجهزة الأمنية تمكّنت عن حقّ من الوصول إلى هذا الانتحاري الذي فضّل أن يفجّر نفسه تجنّباً لإلقاء القبض عليه، ما يعني أنّ الوضع الأمني ما زال تحت السيطرة، بدليل القدرة على تعقّب الخلايا الإرهابية ورصدِها واختراقها وحتى إفشال عمليّاتها. ولا بل إنّ التفجير في الروشة يشبه إلى حدّ كبير التفجير في ضهر البيدر حيث اضطرّ الانتحاري إلى تفجير نفسه بعد انكشاف أمره. وفي الضاحية الإجراءات المتّخذة كانت كفيلة أيضاً بدفع الانتحاري إلى تفجير نفسه قبل الوصول إلى هدفه الرامي إلى ارتكاب مجزرة بحقّ المواطنين الآمنين. وكلّ ذلك للقول إنّ ما حصل من تفجيرات حتى اليوم لا يفترض أن يثير الرعب والهلع، إنّما على العكس يؤشّر إلى أنّ الوضع ممسوك نتيجة ثلاثة عوامل: التقاطع الدولي-الإقليمي على تحييد لبنان، تصميم الطبقة السياسية على مواجهة الإرهاب دون هوادة، والتنسيق الاستثنائي بين الأجهزة الأمنية والذي أثبتَ نجاحَه وفعاليته.
في إطار العمليات الإستباقية التي بدأتها القوى الأمنية والعسكرية تعدّدت الإنجازات أمس، إذ بعد أقلّ من ستّ ساعات على إعلان قيادة الجيش عن حصيلة مداهماتها في منطقة القلمون في الشمال والتي انتهت الى توقيف شبكة خماسية كانت تخطّط لاغتيال أحد كبار الضبّاط الأمنيين في الشمال، داهمَت قوّة من الأمن العام بالتنسيق مع وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي عصرَ أمس فندق «دو روي» في الروشة، لتوقيف سعوديَّين إثنين كانا يعدّان العدّة لتنفيذ عملية انتحارية في أحد الأماكن، فأقدمَ أحدهما على تفجير نفسه بحزام ناسف، فقُتل على الفور، ويدعى عبد الرحمن الحميقي، فيما أصيب الثاني بجروح مختلفة وحروقٍ نُقِل على اثرها الى مستشفى الجامعة الأميركية ووُضع تحت الحماية الأمنية إلى حين تمكّنه من الخضوع للتحقيق.
عنصر المفاجأة
وكشفَت مراجع أمنية معنية لـ»الجمهورية» أنّ عملية الدهم جرت بدقّة متناهية نفّذتها قوّة أمنية صغيرة من عناصر النخبة في الأمن العام التي كُلِفت بالمهمة بالتنسيق المسبق مع الجيش وقوى الأمن الداخلي.
وقد أسهمَ الانتشار الكثيف للجيش في المنطقة وعدم حاجته الى إستقدام ايّ قوّة إضافية، في تنفيذ المهمّة بنحوٍ مباغت ومفاجئ، ما مكّنَ القوّة الأمنية من الوصول بسهولة الى غرفة الإنتحاريين في الطابق الرابع من الفندق ومحاصرتهما فيها، فسارع أحدُهما الى تفجير نفسه فتمزّق إرباً إرباً، فيما أصيب الثاني.
وتسبّبت شظايا التفجير بإصابة ثلاثة من عناصر الأمن العام، من بينهم ضابط برتبة نقيب، وقد أصيب بحروق في وجهه. كذلك أصيب أحد عناصر قوى الأمن الداخلي بكسر في كتفه، وسبعةُ مدنيين من نزلاء الفندق ومواطنين مارّة وفي مبنى مجاور جرّاء انهيار الواجهات الزجاجية عليهم. وسارعَت سيارت الإطفاء الى إخماد الحريق الذي اندلعَ في الفندق. وأفيد لاحقاً عن إصابة أحد رجال الإطفاء بجروح نتيجة سقوط جسمٍ صلب من واجهة الفندق.
إثر ذلك، عمدَت عناصر من مخابرات الجيش الى تفتيش غرف الفندق بحثاً عن متفجّرات وإرهابيين آخرين، وجمّعت نزلاءَ الفندق في بهوه الرئيسي للتحقيق معهم، وانتهت العملية بتوقيف بعض عمّال الفندق، ومنهم سوريّون وسودانيون.
وتردّدت معلومات عن العثور على محفظة مليئة بالمتفجّرات، لكنّ أيّ مصدر أمنيّ لم يؤكّد ذلك، كما أخضِعَت السيارات المتوقّفة في جوار الفندق للتفتيش. (تفاصيل صفحة 6 – 7)
ولاحقاً، تبنّى «لواء أحرار السنّة بعلبك» التفجير في الفندق، مشيراً إلى أنّه تمّ تنفيذه من قِبل «مجاهد» من «الأحرار» بقوّة أمنية «صليبية» بعد محاولتِها اعتقاله، بحسب تعبيرها.
وذكر عبر «تويتر» أنّ «مجاهدين» آخرين أصبحوا بأمان خارج منطقة العملية الانتحارية، وقال: عمليّاتنا لن ترحم «حزب الله» والجيش اللبناني وكلّ من يستهدفنا.
وأجرت القوى الأمنية مداهمات شملت فنادق عدّة في منطقة الروشة بحثاً عن مطلوبين. وأشارت معلومات ليلاً إلى أنّ الأمن العام ألقى القبض على سوريّين في اوتيل ومطعم الساحة على طريق المطار، وعلى سعودي في أوتيل «غاليريا».
السفارة السعودية
وأفادت السفارة السعودية أنّه يجري التأكّد من هوية الانتحاري الذي فجّر نفسَه في منطقة الروشة ، مشيرةً إلى أنّ التنسيق جارٍ مع السلطات اللبنانية للتأكّد من حقيقة ما ذُكرَ من أنّ الانتحاري سعوديٌّ، خوفاً من أن تكون الهوية مزوّرة.
وزير الداخلية
في هذا الوقت، اعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ ما حصل هو ضربة استباقية للأمن العام، لأنّ الانتحاري كان سيفجّر نفسه في مكان آخر، والإجراءات الأمنية التي تُتّخذ تمنع الانتحاري من الوصول إلى هدفه».
إبراهيم
واعتبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، من مستشفى الجامعة الأميركية، أنّ «لبنان مستهدَف، وليس الأمن العام فقط هو المستهدف».
وأكّدت المديرية العامة للأمن العام في بيان لها أنّها وبالتنسيق مع الأجهزة العسكرية والأمنية، لن تتهاون في ملاحقة الإرهابيين، ولن تدَّخر جهداً لمنعِهم من تنفيذ مخطّطاتهم في ضرب استقرار لبنان وجَرِّه إلى الفتنة، وهذا ما لم يُسمَح به إطلاقاً مهما بلغت التحدّيات والتضحيات».
الحريري
وأعلنَ الرئيس سعد الحريري أنّ «المسلمين في لبنان براءٌ من منتحلي الهوية الذين لا صفة ولا مذهب لهم سوى الإرهاب»، ودعا القوى الأمنية «إلى أعلى درجات التنسيق وضرب جيوب الإرهاب أينما كانت».
«المستقبل»
وكانت كتلة «المستقبل» اعتبرت «أنّ مَن يتوسّل العنف ويلجأ إلى الإرهاب مجرم يجب إدانته ومواجهته وملاحقته بكلّ الوسائل القانونية المتاحة، معتبرةً أنّ أولى خطوات المواجهة تتجسّد بتدعيم الوحدة الوطنية ونبذِ الفرقة بين اللبنانيين وعدم الاستقواء على بعضهم بعض، والعمل على دعم المؤسّسات الأمنية اللبنانية».
«14 آذار»
وجدّدت الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدعوةَ لـ»حزب الله» الى الانسحاب من القتال في سوريا، وأكّدت «أنّ الحلّ الأمني في لبنان يكون على حساب جميع المسلّحين أو لا يكون، ويمرّ حكماً بضبط الحدود المشتركة مع سوريا وبنشرِ الجيش ومؤازرته».
شبكة القلمون
وفي ظلّ هذه الأجواء، كانت قيادة الجيش قد كشفَت في بيان رسمي عن عملية أمنية نوعية نفّذتها في الأيام الماضية قوّة من مديرية المخابرات، فأوقفَت خلية إرهابية في منطقة القلمون كانت تخطّط لاغتيال أحد كبار الضبّاط الأمنيين في الشمال. وتضمّ: وسيم أحمد القص، وسام أحمد القص، داني أحمد القص، أمجد نهاد الخطيب، نبيل كامل بيضا. وأحالت الموقوفين إلى القضاء المختص.
وأكّدت أنّها «مستمرّة بأعمال الرصد والملاحقة والتحقيقات، لتوقيف باقي أفراد الخلية وكشف ارتباطاتهم ومخطّطاتهم».
وفيما لم تحدّد قيادة الجيش هوية الضابط الكبير، توسّعت الروايات وذكر بعض المواقع الإلكترونية أنّ المستهدف هو المقدّم خطار ناصر الدين، إلّا أنّ مصادر مطلعة أكّدت لـ»الجمهورية» أنّ المستهدف هو رئيس فرع المخابرات في الشمال العميد عامر الحسن، على خلفية موجة التحريض التي قادها شبّان من طرابلس في أعقاب التوقيفات التي شهدتها عاصمة الشمال، والتي اعتبرت أنّها إهانة «أهل السنّة» في المدينة.
قلق دوليّ
وشاركَ سفراءُ الدوَل الخمس الدائمة العضويّة في مجلس الأمن البطريركَ الماروني قلقه من استمرار عجز مجلس النواب على إنتخاب رئيس للجمهورية والشغور الناتج عن ذلك في منصب الرئاسة. وإذ شدّدوا على وجوب أن تظلّ عملية اختيار رئيس جمهورية جديد عملية لبنانية بَحتة، أكّدوا أنّ لأصدقاءِ لبنان في المجتمع الدولي مصلحة قوية في إتمامها بنجاح، وفي أقرب وقتٍ. وشدّدوا على أنّ «الفراغ الطويل في أعلى منصب في الدولة اللبنانية يشكّل بالفعل مصدرَ قلقٍ بالغ».
ودعا السفراء في بيان أصدرَه المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي عقبَ اجتماع عقدوه في بكركي امس، القادةَ اللبنانيين والنوابَ إلى العمل بجهد لضمان إنتخاب رئيس في أسرع وقتٍ ممكن. إنّ تقاليد لبنان الديموقراطية الى جانب التحديات التي يواجهها البلد راهناً تدلّ على الأهمّية الكبرى التي يحظى بها هذا الموضوع لدينا جميعاً».
غيّاض
إلى ذلك، أكّد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي في بكركي وليد غياض لـ»الجمهورية» أنّ «مساعي البطريركية المارونية مستمرّة، وهي تحاول تفكيك حقل الألغام الذي تسير فيه. ووصف اللقاء الذي جمع الراعي مع السفراء بـ»الإيجابي والممتاز»، وأشار الى أنّه عُقد نتيجة رغبة الطرفين بالتشاور من أجل الوصول الى انتخاب رئيس».
وأوضحَ غيّاض أنّ «البطريرك توجّه الى السفراء بكلام واضح، ووضعَهم أمام مسؤولياتهم، ودعاهم الى تحمّل مسؤولياتهم في إنقاذ موقع رئاسة الجمهورية الذي هو صمام الأمان للاستقرار في لبنان». كذلك شرح للسفراء مخاطر الفراغ ومساعيه من أجل انتخاب رئيس، طالباً منهم المساعدة والضغط حيث يستطيعون.
بدورهم، أكّد السفراء للراعي أنّهم سيبذلون كلّ جهدهم في هذا المجال، فانتخاب الرئيس الماروني ضروري، في ظلّ احتدام الصراع السنّي- الشيعي الحاصل في المنطقة ، حيث اتّفق السفراء والبطريرك على أنّ للرئيس الماروني دورأ مهمّاً يؤدّيه من أجل تبريد هذا النزاع ومنع وصوله الى لبنان، لأنّ انتخابه يشكّل حلّاً للازمة السياسية».
وأكّد غياض أنّ «الراعي لم يطرح أسماء مرشّحين، ولم يتناول مع السفراء أيّ اسم». في المقابل أثنى السفراء على «عمل البطريرك ودعموا مواقفه، معتبرين أنّه الممثل الفعلي للمسيحيين حاليّاً في ظلّ غياب رئيس جمهورية، ولن يستطيع أحد تجاوز المسيحيين».
ومن جهة ثانية، لفتَ غيّاض الى أنّ «الراعي يتابع اللقاءات الاميركية- الفرنسية، لكن ليس هناك أيّ شيء يُبنى عليها، وليس هناك أيّة كلمة سرّ قد ترشح عنها»، لافتاً من جهة ثانية إلى «وجود علامات داخلية ودولية إيجابية من الممكن أن تظهر في جلسة انتخاب الرئيس في 2 تمّوز وإلّا سيصعب الوضع بعدها».
إدارة الشغور
وعلى وقع الإرهاب الأمني المتنقّل، تشخص الأنظار الى جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي اليوم، والتي ستشكّل الاختبار الأوّل للتفاهم الحكومي على آليّة عمل إدارة الشغور الرئاسي.
ومن المتوقع أن يطغى الملفّ الامني على الجلسة بعد حصول ثلاثة تفجيرات في الفترة الفاصلة عن الجلسة الأخيرة.
المشنوق
وتوقّع المشنوق أن يضغط الجوّ الأمني على جلسة اليوم فيدفع مجلس الوزراء لاتّخاذ موقف سياسي يواكب العمل الأمني، إذ لا يجوز ان يكون الموقف السياسي خلف الموقف الأمني. ويجب ان لا نضيع في المماحكات وندخل في تفاصيل، فيما البلد مستهدَف وجميع الوزراء ملتزمون بالتضامن الوزاري».
ورفضَ المشنوق تسمية منهجيةٍ أو آليّةٍ لعمل مجلس الوزراء، وقال لـ»الجمهورية: «إنّ ما نبحث به هو تنفيذ وكالة مجلس الوزراء ذات الصلاحيات الكاملة، والتي أضيفت إليها صلاحيات جديدة بحسب المادة 62 هي صلاحيات رئاسة الجمهورية، وما نسمّيه تنفيذ الوكالة عن رئيس الجمهورية يخضع للأعمال التنظيمية التي تنصّ على أنّ مجلس الوزراء عندما يأخذ قرارات يوقّع جميع الوزراء الحاضرين على المحضر، ما يعني ضمناً موافقتهم على هذه القرارات. أمّا كيفية إصدار هذا القرار كمجلس وزراء، فهذا تفصيل يبحث رئيس الحكومة تمّام سلام عن كيفية إخراجه، بحيث يوقّع رئيس مجلس الوزراء المرسوم عنه وعن رئيس الجمهورية بالإضافة الى الوزراء المختصّين».
واعتبر المشنوق أنّه من الطبيعي أن لا تتمّ الموافقة على اقتراح مجموعة وزاريّة تمثّل مختلف التيارات السياسية لتوقّع على المراسيم، كي لا تفسّر أنّ هناك مجلساً وزارياً مصغّراً داخل مجلس الوزراء.