IMLebanon

إذا جاء الطوفان

ـ 1 ـ

ما زالت إسرائيل تبحث عن أبطال. صنعت من العقيد الدرزي المصاب في غزة بطلا جددت به عقيدة الحرب التي أسست عليها الأحلام الصهيونية، بينما العرب لم يشغلهم هذه المرة البحث عن بطولة. فقد كانت هناك حرب في الخلفية عنوانها المعلن: هل أنت مع غزة أم حماس؟ وتنفتح فيها صناديق مغلقة حول مفاهيم الصراع العربي الإسرائيلي، حق الأرض، الرواية الفلسطينية، هوية المقاومة، المرجعيات الإقليمية التي تقاسمت الفصائل الفلسطينية.

وبينما كان الموت يحصد ما يقرب من 600 شهيد من أهل غزة، أغلبيتهم أطفال ومدنيون رجالا ونساء، كانت الحرب تشتعل وتعود إلى بديهيات لم تغطها هذه المرة روايات الهوية وشعاراتها… بل إن الأكاذيب التي قيلت كخطاب مصاحب لتوقيع كامب ديفيد وانتقاما من الرفض الفلسطيني حضرت بمزاجها الهستيري الذي يتشفّى لأول مرة وعلنا بضحايا القصف الإسرائيلي، بل ويرسل تحيات ويرفع قبعات للذكورة الإسرائيلية لأنها تواجه العدو القريب: حماس.

كيف صعد خطاب الانحطاط إلى السطح؟ لماذا غاب العقل في مواجهة روايات الأكاذيب السهلة؟

هل هو الخوف من الموت في الطوفان؟

ـ 2 ـ

غالباً هي علامات على بربرية معاصرة.

حرب غزة تأتي هذه المرة في حزمة واحدة مع انهيارات أوسع: القتلة في مذبحة الفرافرة… يحملون علم القاعدة أو فرقة استطلاع من داعش (التي أعلنت مسؤوليتها)… أو حتى خليّة محلية من خلايا الإرهاب… انهم جميعا الوحوش التي خلقت من «نفايات» الأفكار التي رضعها البعض على انها رسالة خالدة… وقبلها البعض خوفا من الاتهام بالكفر أو الخروج عن الدين والمجتمع والناس… «داعش» هذا الوحش المخلوق من النفايات… تكلم ونطق وتحرك وتجسد في تنظيم وأمراء ومجاهدين…

وفي يوم مذبحة الفرافرة كان الخليفة الداعشي ومجاهدوه في الموصل يطاردون المسيحيين الذين سكنوا المنطقة قبل الإسلام بثلاثة قرون…

وبعدها بساعات بدأت مجزرة جديدة وهجوم بربري إسرائيلي على حي التفاح والشجاعية في غزة… أي ان «داعش» تمارس بربريتها بطريقة تشبه خيال كتاب السيناريو عن إمارات الإرهابيين، بينما بربرية إسرائيل منظمة ومنضبطة كما يليق بدولة عصابات محترفة…

كل هذا حدث في يوم واحد، وكأنها علامات على قيامة قريبة أو نهايات لما يمكن ان نسميه «العالم الذي أصبح قديما…»

البربرية هي الوصف الذي نعرفه لما لم نعرفه بعد. انه نوع معاصر من التوحش العنصري يجتاح المنطقة من غزة إلى الموصل… والأكثر قسوة

÷ ان القادر على التصدي ليس سوى عنصرية مضادة

÷ وصور النزوح في حي التفاح الغزاوي، والموصل العراقية، علامات البربرية المعاصرة… تصل مصر منها مجرد شظايا صغيرة (…إرهاب يوسع لنفسه الطريق)… النزوح هو مشهد الإثارة في المجازر المصاحبة لهندسة خرائط جديدة… وفشل التوازنات القديمة على استمرار العالم… فقد انضم متصارعون جدد على ثروات العالم ولا بد من توسيع مساحة لهم. لا بد من إعادة توزيع الانصبة… وفي كل مرة نزوح ومجازر… وتوحش تليه إنسانية. ترطب اجواف الوحوش.

ـ 3 ـ

هكذا فالحرب في غزة، ليست وقتا مستقطعا كسابقاتها…. هي حرب نهايات.

تفصيلة في سقوط خيارات ما بعد «كامب ديفيد»… وتداعياتها في «اوسلو».

فالأرض التي انسحب منها الإسرائيليون في سيناء ملعبا لحرب ضد الإرهاب… كما ان الدول التي سعت أو رفضت ثمار معاهدة السلام تعيش تحديات «السقوط»… الموت في غزة يصاحب الهندسة الجديدة للمنطقة، حيث هناك رغبة خفية في صنع إمارات تستوعب الأمية الإسلامية وتكون مختبرا لحرب مذهبية صغيرة… لهذا فكل الأطراف تشارك في اتفاق الهدنة في غزة بمنطق انها «بروفة أخيرة» قبل الشق الصعب من إعادة رسم المنطقة من جديد.

كل الأطراف دولية وإقليمية ومحلية ستشارك في اتفاق الهدنة المقبلة دفاعا عن موقع قديم (مثل أميركا الراعية الدولية أو مصر الراعية الإقليمية) بينما قطر سترضى بالظل لفترة أخرى (مع نصيب واسع في إعادة الاعمار واستثمارات أوسع في إسرائيل)…

هذا ما يلعب الاطراف على أساسه… يهددهم خفوت القدرة على حسم حروب الإغارة الإسرائيلية بالطريقة القديمة (بعد رفع قدرات المقاومة…) أو بسبب فقدان فاعلية كل أطراف المعادلة على الأرض.

التفاوض يتم بأدوات الهندسة الجديدة، وسط صخب سقوط الخيارات الكبرى (دول التحرر الوطني، ومنافستها الإسلامية) ووفق ضجر شعبي وصل إلى مرحلة الهستيريا من السرديات الكبرى التي لم تغير موسيقاها الجنائزية ولم تتطور أكثر من كونها غطاء للاستبداد أو لطموحات سلطوية فاسدة.

ماذا سنفعل؟

هل ننتظر البرابرة؟ أم نفكر في البديل؟ أم ليس لدينا سوى الحفاظ على البقاء؟