فرضت الجرائم الفظيعة التي ارتكبَتها مجموعات الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش» نفسَها على أولويّات اهتمامات دول الخليجَين العربي والفارسي ولبنان وبعض دول العالم، وما تبقى من دولتَي العراق وسوريا، قبل أن تظهر بوادر تحالفات دولية للقضاء عليها. فهل هناك قوّة قادرة على القيام بهذه المهمة قبل أن تُرسِّخ هذه الدولة قواعدها؟
على رغم الغموض الذي رافق قيام «الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» على أجزاء واسعة من دولتي العراق وسوريا ونزع سيطرة الدولتين على أجزاء واسعة منهما وإزالة نصف الحدود الدولية الفاصلة بينهما، فقد بدأت تتكشّف حقائق كثيرة رافقت تلك الفترة وأسباب إنهيار الجيش العراقي في ست محافظات تتوزَّع في شمال وشمال شرق وغرب الدولة قبل غزو جحافلها الشمال السوري.
في موازاة الصدمة التي خلّفتها سلسلة الجرائم التي ارتكبتها «داعش» في حق العسكريين والمدنيين والأقليات المسيحية والأزيدية في العراق قبل أن تتحكّم بمناطق شاسعة من الشمال السوري، ظهَر واضحاً أنّ قيادة هذه «الدولة» خرجت عن سيطرة الأجهزة والدول التي ساهمت في بناء نواة قدراتها العسكرية المقاتلة والمالية بعدما فوجئت بحجم البيئة الحاضنة التي وفّرتها المحافظات السنّية العراقية لإنطلاقتها، قبل أن تنضمّ الى صفوفها مجموعات من حركات عراقية وسورية محلية بعدما أعلنت ولاءها المطلق لأميرها.
وعلى هذه الخلفيات، إعترف قادة عسكريون ومسؤولون من أجهزة استخبارية غربية ودولية عدة تعمل في بيروت بأنّ ما حصل فرض نوعاً من التعاون بين قوى متحاربة عسكرياً في سوريا، وسياسياً في العراق، وهو أمر لم يكن وارداً سابقاً.
وعلى وقع هذه التطوّرات المتسارعة، تحوّلت بيروت موقعاً لتبادل التفاهمات والمفاوضات اعترف على هامشها قائد عسكري ميداني غربي في إجتماع موسع لخبراء عسكريين وديبلوماسيين من دول اوروبية وغربية عدة بكثير ممّا لديه من معلومات، ومنها ما يؤكّد شراء قادة «داعش» عبر مرجعيات دينية وعشائرية عراقية عدداً من القادة العسكريين العراقيين بملايين من الدولارات، الذين سلّموا قواعدهم وثكناتهم وأسلحتهم في غضون ايام قليلة فوضعوا أيديهم على ثلث أسلحة الجيش العراقي الحديثة.
وهو ما قُدِّر بما يتراوح بين 7 و9 مليار دولار من أصل 27 مليار دولار صرفتها حكومة نوري المالكي ومَن سبقها الى السلطة على بناء هذا الجيش – الذي كان ينقصه كما قال – العقيدة الموحّدة، بعدما تبيّن احتفاظ قادته بولائهم وانتمائهم المذهبي والعشائري.
وكشف القائد العسكري نفسه أنّ «داعش» امتلكت ما يقارب 1500 آلية عسكرية مدرّعة ومصفّحة ومرابض مدفعية ومنصات صواريخ مختلفة الأنواع ارضية وجوّية في اقل من اسبوعين، مكّنتها من تعزيز انتشارها المؤلّل في سوريا بعد العراق، ومن حسم المعارك امام البشمركة في شرق العراق وألوية الجيش السوري الحر ومنظمات، عدا عن إجتياحها مناطق شاسعة بلا مقاومة، بعدما سبقتها اليها انباء المجازر بحق آلاف العسكريين والمدنيين فهُجِّر عشرات الألوف من السكان عن ارضهم قبل احتلالها.
ويرى القائد العسكري أنّ ما كرَّسته «داعش» من وقائع ميدانية وعسكرية جديدة فرضت آلية تحرّك اميركية وغربية سريعة لم تكن واردة على الإطلاق، فتُرجمت بتدخّلها العسكري المباشر الى جانب الدعم العسكري الفرنسي والألماني والبريطاني غير المباشر باستعادة مناطق واسعة في الموصل ومحيط سدّها في ثلاثة أيام، ومكّنت «البشمركة» والجيش العراقي من استعادة مناطق واسعة جنوب تكريت ومناطق اخرى على تخوم بغداد. هذا عدا ما تشهده سوريا من عمليات عسكرية موجعة، إستهدفت قوى ومراكز سيطرة «داعش»، وما تزال غامضة في شكلها ومضمونها وهوية منفّذيها.
وعليه، فقد دعا القائد العسكري جميع الحلفاء الغربيين الى الإنخراط في المواجهة التي لا بدّ منها وسط صمتٍ ايراني ترجمه التخلّي عن المالكي، وتردّد روسي – تركي بالغ الدلالة، وعجز عراقي وسوري شبه كامل، معرباً عن اعتقاده أنّ حلفاً دولياً واسعاً سيقضي على «داعش» في مهلة تتراوح بين خمسة وسبعة اسابيع… الأمر الذي قاد بعض مَن شاركوا في اللقاء الى طرح سؤال وجيه يقول: هل انتهى دور «داعش» بهذه السرعة!؟