إختصر الوزير بطرس حرب مبادرة العماد ميشال عون بمعادلة تصلح لوصف العلاقة العضوية بين عون وقصر بعبدا منذ العام 1988 وإلى اليوم: «أو زَوجوني البنت أو بِقتِلا». فالمبادرة أعطت رسالة واضحة لكلّ من يعنيهم الأمر: أو أنا رئيساً للجمهوية، أو لا طائف.
هذا يعني أنّ الفراغ الذي سبَّبه عون مقصود، للذهاب بالأمور إلى الحدّ الأقصى، لفرض أمر واقع مفادُه تعطيل النظام إذا لم يُنتخَب رئيساً، والقبول به فقط في حال انتخابه. أنا أو لا طائف، تلك هي المعادلة الجديدة، التي يُكرِّر فيها الجنرال مشهدَ العام 1988 مع فارق أساسي، وهو أنّ الطائف لم يكن قد ولِد يومها، وأنّ ذاك الاتفاق لم يحصل إلّا بعد الفراغ الرئاسي الذي ملأه عون كرئيس للحكومة الانتقالية، فكانت النتيجة، فوضى كبرى أنتَجت اتّفاق الطائف.
العبرة من كلّ ذلك واضحة: بطائف أو بلا طائف، عون يُقرّر أنّه إذا لم يتزوَّج البنت، سيقتلها. لقد ساهمَ الفراغ في العام 1988 بقتلِ الجمهورية الأولى، فيما يُهدّد الفراغ اليوم بقتل الطائف، وبالتدحرج نزولاً نحو مثالثة يدفع بها عون غيرَ عابئ برأي الكنيسة، وغيرَ مهتمّ للخَلل الأكيد في التوازن الذي سوف يحدثه فتح النقاش في الدستور وأحجام الطوائف، داخل النظام، متّكلاً على كون «حزب الله» على درجة من البأس والقوّة، بحيث يُراعي مطلبَه في تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية، وآليات انتخابه.
لا يكمن الخطر الناتج من طرح عون تغييرَ الطائف، في مضمون التغيير الذي يقترحه، بل في التوقيت، والطريقة، والأهداف التي تحمل بُعداً شخصياً لا لبسَ فيه. فمن يقبل بالحوار مع الرئيس سعد الحريري بهدف أن يصبح رئيساً منتخَباً من مجلس نوّاب منتخب بموجب دستور الطائف، لا يمكنه القفز إلى تعديل هذا الاتفاق، لمجرّد عجزه عن الوصول إلى بعبدا. ومَن شارَك في الانتخابات وقطفَ ثمار الحكومات، لا يستطيع في لحظة تشهد فيها المنطقة أحداثاً كبرى أن يقامر بالاستقرار من أجل الوصول إلى الرئاسة.
في مواجهة خريطة الطريق التي حاولَ فيها عون تحميلَ خصومه مسؤولية الفراغ الرئاسي الذي صنعَه، ستردّ له قوى «14 آذار» التحية بأكبر منها، وستدعوه إلى الاستعداد للانتخابات النيابية، التي بدأت قواها الأساسية تتعامل معها كأنّها حاصلة غداً. تقول قوى «14 آذار» للجنرال: «هذه الزوبعة التي أطلقتَها في فنجان، لن تُغطي على الفراغ الرئاسي الذي سبَّبته. فإذا كنتَ جاهزاً للمنازلة، توقّف عن سياسة البلف، وأقنِع حلفاءَك بخوض الانتخابات النيابية… هم المشغولون بالقتال في سوريا، ولتكن هذه الانتخابات النيابية بهدف انتخاب رئيس جديد كأولوية أولى». وتضيف «14 آذار»: «لكنّك تعرف يا جنرال أنّ «حزب الله» لا يريد الانتخابات، وهو يريد إلصاق تهمة التمديد للمجلس النيابي بتيّار «المستقبل»، ومسيحيّي «14 آذار»، وتعرف أنّ حليف حليفك الرئيس نبيه برّي يُريد بالتكافل والتضامن مع النائب وليد جنبلاط التمديد للمجلس. وتعرف أيضاً أنّ استعراض القوى الذي تقوم به، لا يبلف أحداً، فتأييدك قتالَ «حزب الله» في سوريا أحدثَ فعله لدى المسيحيين، ولهذا أنت تعرف أنّ نتائج الاستفتاء الذي تُهوّل به ستقضي على صورتك كممثّل للمسيحيّين». وتسأل «14 آذار» عون: «هل سيدعو رئيس المجلس إلى جلسة نيابية لإقرار قانون جديد للانتخابات؟ نحن جاهزون، لدينا القانون المشترَك. أمّا أنتَ فهل ستقبل بقانون الستّين، وهل ستطرح الأرثوذكسي مجدّداً؟».
تُقدّم قوى «14 آذار» هذا العرض المغري إلى عون، وهي متأكّدة أنّ المبادرة – المزايدة التي تقدَّم بها، والتي يلجأ إليها كلّما تعثَّر الطريق إلى بعبدا، قطعَت الطريق عليه بعدما انقضَّ على آخر عناصر الثقة بأنّه قادر على أن يكون رئيساً يؤمّن الاستقرار، والعبور بالبلد إلى برّ الأمان.