IMLebanon

إذا لم تكن عودة الحريري لانتخاب الرئيس .. فلماذا لا يتمّ اللجوء الى أصوات الشعب؟!

صحيح أنّ لا شيء في لبنان يشير الى إمكانية انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في الجلسة النيابية المقبلة التي حُدّدت في الثاني من أيلول المقبل أي بعد نحو عشرة أيّام، لأنّ التوافق الداخلي والخارجي لم يحصل بعد، ولم يُعط الضوء الأخضر لانتخاب أي سياسي حتى الآن، لكن هل من الممكن أن يبقى لبنان بلا رئيس وأن يبقى المنصب الأول في الدولة شاغراً في ظلّ كلّ التحديات التي تواجهها المنطقة ؟!

لم يحصل أي شيء ملموس حتى الساعة رغم كلّ المشاورات والإتصالات الخارجية والداخلية الجارية على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية، يؤكّد مصدر مسيحي في 8 آذار فكلّ التسويات الحاصلة في المنطقة لا تأخذ الملف الرئاسي بالإعتبار بل تُبدّي عليه ملفات أخرى مثل الوضع في العراق وغزّة وسوريا. علماً أنّ مؤشّرات عدّة حدثت أخيراً على الساحة اللبنانية أوحت أنّ الأوضاع الداخلية ستتغيّر.

فمعركة عرسال يضيف المصدر التي انتهت بهبة سعودية فورية للجيش اللبناني بقيمة مليار دولار، وبإجبار الداعشيين على التراجع الى الوراء، والتي أدّت الى عودة الرئيس الحريري الى البلاد بشكل مفاجىء، أظهرت الإهتمام السعودي بلبنان من خلال العزم على دعم الجيش اللبناني لكي يُواجه تنظيم «داعش» السنّي المتطرّف، ويكون قادراً على حماية الأمن والإستقرار في البلاد. ولم يفهم أحد هذه الخطوة على أنّها تهدف الى «إضعاف قوة «حزب الله» العسكرية» من خلال دعم الجيش ما يجعله قادراً على حماية أرضه وسيادته واستقلاله وحدوده من دون الحاجة الى التنسيق مع المقاومة.

أمّا عودة الحريري التي جاءت لتغيّر الوضع الداخلي المجمّد، ولكي يكون ما بعدها مختلفاً عمّا قبلها، فمن غير المنطقي، على ما أكّد المصدر نفسه، أن تكون مقتصرة فقط على انتخاب المفتي الجديد للجمهورية، وضمان عدم توتير الشارع السنّي، لأنّ ذلك لم يكن يُشكّل الخطر الأكبر على لبنان. علماً أنّ المفتي الجديد عبداللطيف دريان حدّد نهجه في الكلمة الأولى التي ألقاها بعد ساعات من انتخابه، إذ دعا إلى الإصلاح ومكافحة «العنف باسم الدين»، وندّد بطرد مسلّحي «تنظيم الدولة الإسلامية» للمسيحيين من العراق، مطالباً بتحسين العلاقات السنية الشيعية، وبتوحيد دار الفتوى.. غير أنّ الفتنة السنيّة- الشيعية التي استمرّت لسنوات في طرابلس، وذهب ضحيتها المواطنين الأبرياء، لم تؤدّ مع الوقت الى جرّ البلاد الى الحرب. كذلك فإنّ التفجيرات الإنتحارية التي قام بها «الداعشيون»، إن في الضاحية أو في طرابلس، لم تستطع إطلاق شرارة الحرب السنيّة – الشيعية في لبنان. حتى أنّ معركة عرسال التي جعلت المتطرّفين يُهدّدون البلدة والجوار، لم تتمكّن من إشعال الحرب بين السنّة والشيعة في كلّ البلاد، بل التفّ الشعب اللبناني ككلّ حول الجيش اللبناني وتعاطف مع ما قدّمه من تضحيات من خيرة شبّانه.

من هنا، يريد المصدر السياسي القول بأنّ عودة الحريري إذا لم تؤدّ الى التوافق على رئيس جديد للبلاد، لا سيما بعد أن جرى توافق سابق على تشكيل الحكومة بين طرفي النزاع في البلاد أي بين فريقي 8 و14 آذار، فكيف سيتمّ التوصّل الى حلّ للشغور الرئاسي، ووضع قانون جديد للإنتخابات النيابية وسواها من الإستحقاقات؟!

ويجد المصدر بأنّه إذا كانت العودة فقط الى الحياة السياسية اللبنانية، فإنّ اقتراح قانون تعديل الدستور الذي قدّمه نوّاب «تكتّل التغيير والإصلاح» من أجل انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب، قد يكون هو الحلّ، حتى ولو تمّ رفضه من الأساس من قبل بعض قوى 14 آذار، خصوصاً وأنّ لا اقتراحات تقدّمها هذه الأخيرة لتحريك الملف الرئاسي، بل نجدها تتمسّك فقط بمرشّحَيْها للرئاسة.

فالتعديل أصبح في المرحلة الراهنة أمراً ضرورياً، يقول المصدر، لأنّ أي من الاستحقاقات لم يتمّ بطريقة أوتوماتيكية، كما يُفترض، خلال السنوات الماضية، ما يُشير الى وجود خلل في المواد الدستورية لا بدّ من تعديلها من أجل تحريك الحياة السياسية، ووقف محاولات الإلتفاف على القانون للإبقاء على الأوضاع على حالها. فلم يعد يجوز أن يقف المجلس النيابي عاجزاً في كلّ مرة عليه انتخاب الرئيس، أو غير متفق على قانون جيّد تجري على أساسه الإنتخابات النيابية في كلّ دورة.

ويرى المصدر بأنّ الشلل الذي تعيشه المؤسسات الدستورية، يؤثّر سلباً على الحياة في لبنان من معيشية وإقتصادية وإجتماعية، ولهذا لا بدّ من التحاور بين الكتل النيابية على اقتراح القانون هذا للإتفاق على ما يمكن أن يُسيّر الاستحقاقات بدلاً من الإبقاء عليها مجمّدة في انتظار الفرج الذي لا يبدو أنّه سيأتي قريباً من أي طرف خارجي.

وبرأيه، أنّ السنوات الماضية أظهرت وجود ثغرات في «اتفاق الطائف»، وتبدو الفرصة سانحة اليوم لتعديل بعض بنوده لا سيما تلك المتعلّقة بانتخاب رئيس الجمهورية وصلاحيات الرئيس المسيحي التي جرى نزعها منه وتمّ إسنادها الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وقد حوّل بعض رؤساء الحكومات السابقين هذه الصلاحيات من يدّ المجلس الى يديه، فأصبح يتمتّع بصلاحيات رئيس الجمهورية دون سواه.

ولهذا، فإنّ انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب يقول المصدر سوف يعيد للطائفة المسيحية جزءاً من حقوقها المسلوبة لأنّ أبناءها سيتمكّنون من وضع الورقة باسم المرشّح الذين يجدونه مناسباً لهذا المنصب، بدلاً من انتظار الكتل النيابية غير المتوافقة على رأي واحد، وإن اتفقت قد لا يكون رأي الشعب نفسه.