قدره، ان يكون محطة للصراعات الاقليمية والدولية، وقدره ان موقعه الجغرافي أصبح عبئاً على أهله وعلى سكانه هذا هو لبنان.
لكن شعبه المحب للحياة، الممتلىء حيوية وشغفاً وعناداً، المقاوم لكل الضغوط والصعاب والتحديات… لا يستسلم ولا يضعف، وأثبت وما زال وسيظل يثبت انه قوي وصامد وصابر وان ارادة الحياة هي الأقوى مهما اشتدت الصعاب وعظمت التحديات والمخاطر.
من هنا أقول تحية إلى نورا وليد جنبلاط ولجنة مهرجانات بيت الدين، وتحية إلى نواب الأشرفية وفعالياتها والقيّمين على مهرجانات « عيش الأشرفية»، وتحية إلى القيّمين على مهرجانات بعلبك، تحية إلى ريما سليمان فرنجية والقيّمين على مهرجانات زغرتا، وتحية إلى نعمة جورج افرام وبلدية جونية والقيّمين على مهرجانات جونية، وتحية إلى زياد حواط وإلى بلدية جبيل والقيّمين على مهرجانات جبيل، وتحية إلى زلفا الهراوي ونهاد نوفل والقيّمين على مهرجانات الذوق، وإلى أخرين وكثيرين غيرهم لا يسعنا ذكرهم فرداً فرداً ممن أضاؤوا سماء لبنان ولياليه وزرعوا على مساحة الوطن الفرح والحب والجمال في قلوب اللبنانيين.
نعم أردتها تحية شكر وتقدير إلى كل هؤلاء وكل من ساهم معهم في اعطاء اللبنانيين جرعة وومضة نور وأمل في ظلام الخوف والقلق على المستقبل والمصير. نعم أردتها تحية إلى كل من ساهم في ابراز الوجه الحقيقي للبنان ورسالته الحقة، وفي تأكيد الهوية والشخصية اللبنانية الفريدة والمميزة في هذا الشرق، نعم اردتها تحية من القلب الى هولاء الشرفاء والجنود المجهولين لاقول ان الاعلام يضوي دائماً على الخلافات والانقسامات السياسية والتوترات الامنية مع ما يستتبع ذلك من خوف وقلق وعدم مجيء المصطافين والمغتربين الى لبنان، وكذلك على الفساد والفضائح والسرقات والهدر في مؤسسات الدولة وهذا شيء مهم ومطلوب لتحسين الاداء وردع الفاسدين والسارقين ومن يحميهم من سياسيين، لكن المطلوب ايضاً ان نظهر الناحية الجميلة من بلدنا ونتعود ان نقول شكراً لكل من يتعب ويساهم في اضاءة شمعة في هذا الظلام الدامس الذي يعيشه لبنان والمنطقة، لعل ذلك يحفز الاخرين على الاقتداء بهؤلاء الناس ويتنافسون لما فيه خير ومصلحة وطننا بدل التنافس والاختلاف على المصالح الخاصة والشخصية.
هذا هو لبنان، لبنان الحضارة والثقافة، لبنان الفن والابداع، لبنان المـنارة على شــاطىء المتوسط، لبنان الواحة في صحراء الجهل والتعصّب…
ان المهرجانات التي أقيمت في معظم المناطق اللبنانية اخترقت الأجواء الملبدة بالخوف وعدم الاستقرار وعاكست التيار وكان لها الأثر الطيّب في عقول ونفوس اللبنانيين. كما اقتطعت مساحة فرح واطمئنان في زمن القلق والاضطراب، وشكّلت علامة مضيئة في مرحلة الظلام والظلاميين وفي زمن التكفير والتكفيريين، ونشرت ثقافة الحياة وسط منطقة تمارس ثقافة الموت، وأكدت ان لبنان يظل ملاذاً للحياة والحرية والحضارة والجمال ولن يكون ابداً موطناً للأصولية وللجهل والتخلف والتطرف والعنف الأعمى، من خلال هذه المهرجانات أراد القيّمون عليها ان يقولوا للعالم القريب والبعيد ان هذا الوطن الصغير أكبر من ان تنال منه عواصف موسمية وان تغير في مناخه ومزاجه وهويته ورسالته بدع من هنا وتطرف من هناك.
هذه المهرجانات التي تحدّت الظروف الصعبة والخطيرة ونشرت الفرح في كل الأرجاء اللبنانية كانت صفعة لكل من أراد خنق الحياة وتيئيس الناس واخذهم رهائن وجعلهم اسرى الخوف والارهاب. واطلقت رسالة مدوية زاخرة بالمعاني والدلالات إلى أكثر من جهة وعنوان وأهمها :
1 ـ رسالة تقول إلى العالم أجمع، إلى الأقربين والأبعدين، إلى الأشقاء والأصدقاء بان لبنان باقٍ في هذه المنطقة بارقة أمل ومتنفساً للحرية وواحة اعتدال وانفتاح وأرض حضارة وحوار بين كل الأديان ووطن رسالة. وان اللبنانيين شعبٌ مسكون بروح التحدي والمغامرة والأمل وليس بهاجس الخوف والحرب والموت والدمار.
2 ـ رسالة إلى السياسيين والمسؤولين في لبنان تقول بان كل سياسات التعطيل التي تمارسونها وارتهانكم لدول خارجية لن تعطل الحياة ولن تفرغها من مضمونها وفرحها في هذا الوطن. وهي في الوقت نفسه رسالة تحمل في مضمونها الغضب من هؤلاء السياسيين الذين يتكلمون ويثرثرون ويملأون الشاشات والمنابر كلاماً فارغاً وينطبق عليهم المثل القائل: إسمع تفرح جرّب تحزن.
وهنا اسمحوا لي ان أقول بكل راحة ضمير وبكل صدق بان القيّمين على المهرجانات السياحية في لبنان عوّضوا تقصير السياسيين الغارقين في مصالحهم ومعاركهم العبثية، الممعنين في تشويه صورة لبنان وتدميرها غير آبهين بمصالح الناس وحاجاتهم…
نعم مع هذه المهرجانات التي عمّت معظم المناطق اللبنانية وبفضل منظّميها ورعاتها عاد إلى لبنان ألقه وأظهر وجهه الآخر الجميل، وهو الوجه الحقيقي الثابت الذي لا تغيّره ظروف وموجات وعواصف…
والسؤال هنا برسم السياسيين لماذا لا تتعظون وتتعلمون وتأخذون من هذه المهرجانات عبرة بان الفعل والعمل الجديّ خير من الكلام وبان إضاءة شمعة خير من سبّ الظلام ؟
لماذا لا تهتمون بالناس وحياتهم وقـضاياهم وبما يعود عليهم بالفائدة، بدل التلهي بقضايا لا قدرة لكم عليها والتذرع بالظروف الاقليمية وإلهاء اللبنانيين وأيهامهم وتحويل انظارهم إلى مناكفات ومشاحنات لا طائل منها ؟
أيها السياسيون… أقول لكم بكل بساطة إذا كنتم عاجزين عن التأثير والتحكم والتقرير في مسائل أكبر منكم وأنتم كذلك، وإذا كنتم تعرفون ان زمام الحل والربط في لبنان ليس في يدكم وانما في يد قوى وجهات خارجية ترتبطون بها وتنفذون اجنداتها، فعلى الأقل لا تكونوا مهملين لقضايا الناس وعاجزين في المسائل الحيوية المتعلقة بأمور وحاجات المواطنين المعيشية واليومية، قوموا بمبادرات واعمال مفيدة تساعد الناس على الصمود في هذه الظروف الصعبة والخطيرة التي نعيشها وتحسّن من صورة المؤسسات وتعزز ثقة الناس بدولتهم.
3 ـ رسالة إلى «النظام اللبناني» إذا صح التعبير كي يغيّر ويصحّح ما فيه من مساوىء ومكامن ضعف وخلل. فهذه المهرجانات التي تحركها وتنظمها مبادرات فردية ولا حضور للدولة فيها إلا الحضور الشكلي في الرعاية والافتتاح، هي دليل آخر إلى اهمية العنصر البشري في لبنان وإلى تفوق اللبناني بطاقاته وكفاءاته وقدرته على الخلق والابداع والتحديّ، وعلى دور القطاع الخاص وأهمية هذا الدور في ملء فراغ القطاع العام والتعويض عن تقصيره وتخلفه… نحن أمام دليل حسّي على ان المشكلة في لبنان لا تكمن في الانسان والمجتمع، وانما في مكان آخر… فهي تكمن فعلاً في إدارة شؤون الدولة وفي الفساد المستشري في معظم المؤسسات، ان النظام المبني على المحاصصة والزبائنية لزعماء الطوائف والمشجع على الفساد والتشاطر والتكاذب والكسل، هو نظام لا ينتج أوطاناً ولا يبني دولة بل ينتج مزارع ومحميات سياسية لا ثقة للناس والشعب فيها…
سؤال آخر برسم السياسيين: لماذا اللبناني العامل في مؤسسات الدولة وقطاعها العام نراه بمعنويات منخفضة وعدم انتاجية، ولماذا لا نرى النجاح والانتاج إلا خارج مؤسسات الدولة وفي مؤسسات القطاع الخاص وعلى مستوى المبادرة الفردية؟ ولماذا تتفجر مواهب اللبنانيين وطاقاتهم تفوقاً وابداعاً في خارج وطنهم؟
الجواب وبكل بساطة لأن البلدان المتحضرة توفر الامكانات والظروف للشباب وتحيطهم معنويا ومادياً وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب دون محسوبية وزبائنية، إضافة إلى اتباع مبدأ الثواب والعقاب.
ربما «شطحنا» في كلامنا وذهبنا إلى أكثر من اللازم وإلى حيث يتعكّر «المزاج» ويضيق «الخلق» ويكون الانفعال والاستياء…
فلنعد إلى مهرجانات لبنان وصورته المشرقة التي لا تحجبها عتمة الجهل والتطرف، ووجهه الجميل الذي لا تنال منه تشوهات عابرة ومفتعلة، فلنعد إلى لبنان الحقيقي الأصيل المتجذر في التاريخ، الثابت في الجغرافيا، الباقي ابداً وطن الحرية والحضارة ومهرجاناً دائماً للفرح والجمال.
في الختام أقول: شكراً لكم جميعاً باسم اللبنانيين، شكراً للأمل والسعادة والفرح الذي زرعتموه في قلوب اللبنانيين.