على العكس مما كان متوقعاً، لم تحرّك الزيارة القصيرة لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية مياه إنتخابات رئاسة الجمهورية الراكدة منذ أربعة عشر يوماً، ليس لأن رئيس الدبلوماسية الأميركية لم يحمل معه الى المسؤولين اللبنانيين سوى النصائح بعدم ترك البلاد بدون رئيس مدة طويلة لما لذلك من مخاطر على الاستقرار العام، وعلى النظام، بل لأن المعنيين مباشرة بهذا الاستحقاق ونقصد المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص لم تستفزهم تصريحات الوزير الأميركي وتحفّزهم على القيام بخطوات ما لتسريع عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد يسدّ الفراغ في أعلى موقع في الدولة وهو الرأس بقدر ما ظلوا منشدّين الى الوزراء يدغدغ كل واحد من قياداتهم حلم الوصول الى قصر بعبدا ولو على حساب رئاسة الجمهورية، وعلى حساب المسيحيين عموماً الذين ما زالوا حتى الآن يكتفون بالصلاة لأن يُلهم هؤلاء القادة ويذهبون الى مجلس النواب وينتخبون رئيساً جديداً للبلاد بدلاً من الهروب وتعطيل النصاب متذرّعين بأسباب واهة وغير مُقنعة كالقول بالتوافق أو الاتفاق أو غير ذلك من المصطلحات التي لا معنى ولا قيمة لها لا في الحسابات الوطنية، ولا حتى في الحسابات السياسية الضيّقة، والمؤسف حقاً أن المعطّلين يحمّلون مسؤولية التعطيل للآخرين أحياناً وللظروف الإقليمية والدولية، وتداخلات الإقليمي بالدولي، أحياناً أخرى، وينفون عن أنفسهم أية مسؤولية، حتى أن البعض منهم لا يستحي من أن يضع نفسه في موضع الضحية ويتباكى على رئاسة الجمهورية التي ستضيع على المسيحيين إذا لم يُحسنوا تقدير الموقف، ويتفقوا عليه ليصبح هو رئيس البلاد، كما لا يستحي هذا البعض من تحميل المسؤولية الى الولايات المتحدة الأميركية لأنها لم تحسم هذا الموضوع، وما زالت تكتفي بتقديم النصائح الى اللبنانيين بوجوب الاسراع في انتخاب رئيسهم، وتعتبر أن التأخير في الانتخاب أمر خطير وخطير جداً كما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الدبلوماسية الأميركية بعد اجتماعه الى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في السراي الحكومي الكبير، والذي حذّر فيه أيضاً من وقوع المؤسسات الدستورية في الفراغ لأن ذلك يعني من وجهة النظر الأميركية إنهيار النظام بكامله وعندها تتحقق مقولة من يحذّرون من الوصول الى تشكيل هيئة تأسيسية لإعادة البحث في نظام جديد ينسجم مع المتطلبات الحديثة والمتغيّرات الديمغرافية التي حصلت في البلاد منذ اتفاق الطائف وحتى الآن، فمن يتحمّل مسؤولية ما سوف تؤول إليه أمور البلاد وشؤونها، إذا لم يتمكّن اللبنانيون من انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، المسؤولية طبعاً تقع على الدين يعطّلون جلسات انتخاب الرئيس ويتذرّعون بعدم وجود توافق على من سيكون هذا الرئيس، ثم يدغدغون مشاعر اللبنانيين بإعطاء الأولوية للانتخابات النيابية على الانتخابات الرئاسية ومن يفوز بأكثرية مقاعد النواب المسيحيين في هذه الانتخابات يتوّج رئيساً للجمهورية بالتوافق.
صحيح إنها مهزلة، لكن الصحيح أيضاً أنه لا يوجد رأي عام مسيحي يُحاسب، إلا إذا ترجم البطريرك الماروني بشارة الراعي تهديده باللجوء الى الشعب المسيحي لتشكيل قوة ضغط الى خطوات عملية، ونزل الرأي العام المسيحي بكل مجتمعه الأهلي والمدني يقول كلمته لهذا البعض إرحل لأنك مسؤول عن ضياع الرئاسة الأولى.