الإجرام المتمادي لـ»الدولة الإسلامية» جعل المجتمع الدولي يعيد النظر بتموضعه الانكفائي، وبدأت تتكوّن قناعة فعلية بضرورة التدخّل سريعاً لإنهاء هذه الظاهرة، ولكن من الواضح أنّ ما ينطبق على العراق بعد التغيير الحكومي لا ينسحب على سوريا، الأمر الذي يؤشّر إلى عدم رغبة دولية في منح النظام السوري أيّ جائزة ترضية، ما يعني أنّ قرار تحييد العراق قد صدر، وأنّ العدّ العكسي للتنفيذ قد انطلق. وفي هذا الجوّ المحموم بالحرب والدم من غزّة إلى سوريا والعراق، والمواقف الدولية التي تُذكّر بحرب الخليج الثانية أو الحرب الأميركية على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول 2001 وبداية تكوّن تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، يتلهّى اللبنانيون بمَن مع التمديد ومَن ضدّه، ومَن مع إقرار السلسة كما هي، ومَن مع إدخال تعديلات عليها للحَؤول دون انهيار الوضع المالي، وسوى ذلك من ملفّات وقضايا، فيما الأساس يكمن في كيفية تجنيب هذا البلد عدوى الجوار، خصوصاً أنّ أحداث عرسال دلّت على وجود مخطّط واضح يرمي إلى توريط لبنان، وقد أسقطه الجيش اللبناني ووحدة اللبنانيين، وأمّا الطريق لهذا التجنيب فتبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي ما زال يراوح، وفي هذا السياق بالذات أكّد «حزب الله» مجدّداً أنّ «مفتاح الرئاسة في الرابية»، ما يعني أنّ الأزمة الرئاسية مفتوحة إلى حين تنجلي الأزمة الإقليمية.
إستنفر العالم برُمَّته إزاء خطر «الدولة الإسلامية» والتعاظم السريع لقوّتها وتصرّفاتها الوحشية التي تمظهرت أخيراً بذبحها المراسلَ الأميركي جايمس فولي ونشرها فيديو يُظهر تفاصيل عملية الإعدام، وهدّدت بذبح صحافي أميركي آخر، وذلك ردّاً على الغارات الاميركية على مواقع لها في شمال العراق، في وقتٍ واصلت الطائرات الأميركية تنفيذ غاراتها الجوية على مواقع لـ«داعش» في العراق، وأكّد الرئيس الأميركي باراك اوباما أن لا مكان لهذا التنظيم في القرن الحادي والعشرين، وأعلن تصميمَه على الاستمرار في مواجهته، ودعا حكومات دوَل الشرق الأوسط إلى اجتثاث هذا الورم السرطاني، وقال إنّ هذا التنظيم «لا يتحدّث باسم أيّ ديانة لأنه ليس هناك ديانة تدعو إلى ذبح الأبرياء»، واتّهمه بارتكاب إبادة جماعية ضد شعب بأكمله.
إستنفار كنَسي
وفي موازاة هذا الاستنفار العالمي والأصوات المنادية باستراتيجية عالمية لمحاربة «داعش»، سُجّل استنفار كنَسي استنكاراً للمجازر التي يرتكبها هذا التنظيم واضطهاده المسيحيين واقتلاعهم من أرضهم.
وفي هذا السياق، برز حراك لافت لوفد بطاركة الشرق الأوسط الذين عادوا من زيارة أربيل بعدما تفقّدوا أوضاع المسيحيين وسمعوا من المسؤولين هناك تطمينات على لسان رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني لجهة التمسّك بالمسيحيين وبالعيشِ معاً أو الموت سويّاً، مؤكّدين عزمَهم على مطالبة المجتمع الدولي والامم المتحدة بحماية الأقليات لئلّا يكونوا مَكسر عصا، وبمكافحة كلّ التنظيمات الإرهابية، ومن بينها «داعش».
ودعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مسيحيّي العراق الى عدم التفكير بالهجرة، والمحافظة على جذورهم، واستصرَخ المجتمع الدولي الصامت للتحرّك بوجه الإرهاب وتحمُّل مسؤولياته، «إذ من غير المسموح أن يسيطر تنظيم إرهابي مثل «داعش» على شعوب آمنة، وأن يستولي على أملاكها، بينما المجتمع الدولي يتفرّج». وأوضح أنّه «لم يدعُ إلى حوار مع داعش»، وقال: «همّي أن أقول لهم إنّهم فقدوا إنسانيتهم».
لغة واحدة
وكان الهاجس من الخطر التكفيري قد دفعَ بالراعي إلى إعلان استعداده قبل سفره إلى أربيل، للقاء الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله «أينما كان والتكلّم بلغة واحدة لأنّ لبنان في خطر».
وإذ تمنّى «أن نلتقي معا»، أشار إلى أنّ المكان «ليس هو المهم، إنّما المهم والأهم أن نلتقي ونتحدّث بلغة واحدة، فلبنان في خطر والشعب اللبناني في خطر والكيان اللبناني في خطر، ولا يحقّ لأحد أن يتمترس في بيته ويقول أنا الدولة والدولة أنا فقط، فالدولة اسمُها لبنان وكلّنا تحت سقف هذه الدولة. هذا نداؤنا كلّ يوم، نكرّره وسنبقى نكرّره باستمرار لكلّ الفئات السياسية في لبنان. وأعلن أنّ الحوار بين بكركي و»حزب الله» متواصل من خلال لجنة الحوار.
«14 آذار»
وفي هذا السياق أكّدت أوساط قريبة من 14 آذار لـ«الجمهورية» أنّ الأولوية في هذه المرحلة هي تحييد لبنان، في ظلّ المخاطر الكبرى المحيطة، وهذا التحييد يكون عبر وسيلتين: توسيع القرار 1701 على الحدود مع سوريا، وتجميد الملفّات السياسية الداخلية، خصوصاً الانتخابات النيابية التي يمكن أن يؤدّي إتمامها في ظلّ المناخات التعبوية والمتشنّجة الطائفية والمذهبية إلى جَرّ لبنان نحو الحرب الأهلية، فتكون الحرب التي قطعَ الجيش الطريقَ عليها من باب عرسال نفَذت من باب الانتخابات.
وشدّدت الأوساط على أنّ المسألة اليوم تتّصل بالمسؤولية الوطنية التي على جميع الأطراف التحلّي بها بعيداً من المزايدات الشعبوية التي تضرّ بالمصلحة الوطنية في هذه المرحلة المصيرية.
«حزب الله»
وتعليقاً على دعوة البطريرك الماروني واستعداده للقاء السيّد نصرالله، قالت مصادر قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «لا مانع من حصول اللقاء في أيّة لحظة وفي أيّ وقت، لكنّ المشكلة تكمن في آليّة حصوله، والعائق لوجستيّ له علاقة بالظروف الأمنية للطرفين».
وأضافت المصادر: «إنّ التواصل لم ينقطع بين بكركي والحزب حتى في الفترة التي قام بها البطريرك بجولته الرعوية في فلسطين المحتلة، فحينَها قال الحزب كلمته فقط وعبَّر عن موقفه، لكنّه لم يقطع التواصل، وظلّ الخط مفتوحاً بين الحزب وبكركي».
وعن هدف اللقاء في حال انعقاده، قالت المصادر: «إنّ مفتاح الرئاسة بالنسبة إلى «حزب الله» هو في الرابية، وأيّ حديث عن الاستحقاق الرئاسي هو عند الجنرال ميشال عون.
أمّا «داعش» فهو خطر على كلّ الكيانات الأخرى وليس فقط على الأقليات، ومن الطبيعي، لا بل من الواجب أن تتّحد كلّ هذه الكيانات وتمدّ جسورَ التواصل في ما بينها من أجل محاربة هذا التنظيم».
أبي نصر
في هذا الوقت، رحّب عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب نعمة الله أبي نصر «باستعداد البطريرك الماروني للقاء السيّد نصر الله، وقال لـ«الجمهورية»: «نتمنّى أن تنسحب هذه اللقاءات على الجميع بلا استثناء، لأنّ لبنان في خطر من الخارج والداخل بفعل الوجود الغريب الكثيف على أرضه، وهذا الخطر لا يمكن دَرؤه إلّا بالوحدة الوطنية الحقيقية التي لن تتحقّق إلّا من خلال الحوار والاجتماعات المكثّفة والمتتالية بين كلّ الأفرقاء بلا استثناء مهما تكرّرت هذه الاجتماعات أو طالت، لأنّه لا يمكن حلّ مشاكلنا الداخلية إلّا من خلال التفاهم. وكم كنّا نتمنّى لو عُقدت هذه اللقاءات قبل وقوع الخطر، لكن أن تصل متأخّراً خيرٌ من ألّا تصل أبداً».
وإذ جدَّد أبي نصر تأكيدَه «أنّ الوفاق الوطني الحقيقي يبدأ بوفاق مسيحي-مسيحي كمدخل لوفاق وطني شامل»، قال: «في كلّ الأحوال، المهم أن يتحقق هذا الوفاق، لأنّ الخطر داهم، ولن يرحم أحداً من أفرقاء النزاع».
تصفية وجود
وفي السياق، اعتبر تكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ ما يشهده المشرق إزاءَ ما يحصل مع المسيحيين في لبنان والمنطقة المحيطة مروراً بسوريا والعراق هو عبارة عن مسلسل تصفية هويّة ووجود ودور، ونبَّه العالمَ المسيحي أنّ ما يحصل لا يهدّد المسيحيين في منطقتنا بل في العالم، كذلك نبَّه العالم الإسلامي أنّ ما يتهدّدهم أكثر بكثير ممّا يتهدّدنا ولو لاحقاً».
وإذ تحدّث عضو التكتّل الوزير جبران باسيل عمّا يتعرّض له المسيحيون من تصفية لحضورهم في المنطقة، رأى أنّ المسيحيين في لبنان يتعرّضون للتهميش في الإدارات، ويُحاسَبون لانتمائهم للدولة، فيتمّ تجميد إنجازاتهم الإنمائيّة بدلاً من تشجيعهم على بناء الدولة، كما يُحرَمون من حقّهم في المناصفة الحقيقية من خلال إسقاط قوانين انتخابيّة عادلة.. وكذلك بالنسبة لرئاسة الجمهورية، «إذ تُنزَع الصلاحيات وتُصغَّر ويُختار لها أشخاص هم بتمثيلهم أصغر حتى من ممارسة ما تبقّى».
وخاطب باسيل الشركاءَ في الوطن بالقول: «الآن هو أوان الشراكة والاعتراف بالآخر إدارةً ونيابةً ورئاسةً، أو هو أوان الداعشية السياسية. فاختاروا وأعلِنوا».
سيناريو التمديد
وفي هذه الأجواء، ومع استمرار غياب أيّ معطى جديد لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، بدا التمديد للمجلس النيابي أقرب الى الواقع، وينشغل المسؤولون في إعداد السيناريو الخاص به، بعدما أدّت الحكومة قسطها للعلى، ووقّعت مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، راميةً بذلك كرة التمديد في ملعب المجلس النيابي.
برّي لن يسكت
واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الحكومة قامت بواجبها في هذا الشأن، مشدّداً على ضرورة صدور قانون في هذا المجال لمطابقة المهل. وكرّر رفضَه التمديد للمجلس النيابي، ونقل النوّاب عنه بعد لقاء الأربعاء النيابي قوله إنّه يمهل ويمهل ويمهل لكنّه لن يبقى ساكتاً عن هذا الوضع القائم.
أبو فاعور عند سلام
في غضون ذلك، أكّد وزير الصحة وائل أبو فاعور عدمَ نضوج التوافق السياسي حول التمديد للمجلس النيابي وما يمكن أن يليَه على صعيد عمل المجلس النيابي أو مهلة التمديد، لذلك قامت الحكومة بالأمس بدعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات، على رغم معرفة الكُثر من أطراف كثيرة موجودة على الطاولة بأنّ هذه الدعوة ربّما تكون دعوة لم تصل إلى مداها المطلوب لإجراء الانتخابات النيابية».
جعجع
توازيا، أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّه «ضدّ التمديد لمجلس النواب، والانتخابات النيابية بالنسبة إلينا تبقى أفضل من خيار التمديد».