هل جاء دور المسيحيين في لبنان لوضعِهم على لائحة القتل والتهجير، بعد كلّ ما جرى ويجري لمسيحيّي سوريا والعراق ومصر؟ وهل البداية ستكون من منطقة البقاع حيث توعّدت منظمة تطلِق على نفسها إسم «لواء أحرار السُنّة ـ بعلبك» بحرقِ وتدمير دور العبادة المسيحيّة «في البقاع خصوصاً وفي لبنان عموماً».هذان السؤالان طُرحا بقوّة على مختلف المستويات الرسمية والسياسية والدينية والشعبية أمس، لدى تلقّيها البيانَ ـ التهديد الذي يَطرح هو الآخر علامات استفهام جدّية حول حقيقة الجهة التي أصدرَته ومَن يقف وراءَها، وهل هي موجودة أم أنّ في الأمر لعبة مخابراتية ما تؤسّس لما هو أخطر من هذا البيان – التهديد، في اتّجاه تدمير الاستقرار اللبناني الذي لا يزال المجتمع الدولي يؤكّد يومياً حِرصَه عليه ويدعو الأفرقاء اللبنانيين إلى صونِه؟
في التشنّج السياسي الذي يخيّم على البلاد بفعل عدم انتخاب رئيس جمهورية جديد، يرتفع منسوب المخاوف الأمنية، وقد زاد من ارتفاعه أمس بيان مشبوه صادر عمّا سُمّي «لواء أحرار السنّة ـ بعلبك» على حسابٍ له على «تويتر»، توعّدَ بتدمیر الكنائس المسیحیة «في البقاع خصوصاً ولبنان عموماً»، وتطهیر لبنان ممّا سمّاه «کنائس الشِرك» وإیقاف قرع أجراسها. وزاد في الطين بلّة تسجيلٌ صوتيّ نُسِب الى أمير «جبهة النصرة في القلمون» أبي مالك الشافعي، توجّه به إلى مَن سمّاهم «الأسرى في سجون لبنان»، وخصَّ بالذكر «أسرى سجن رومية». مهدّداً باقتحامه لإخراجهم منه، مشيراً إلى أنّه «أصبح لدينا مجاهدون بالآلاف، وهم ينتظرون الإشارة ليبدأوا المعركة داخل لبنان وفي قرى الروافض حصراً، وها هي بوادر الحرب قد لاحت في الأفق في لبنان، فانتظروا غضبَ أهل السنّة».
مصدر أمني رفيع
وقال مصدر أمني رفيع لـ»الجمهورية» إنّ «التهديدات جدّية وقد ارتفع منسوبها، ولكن كثيراً من المعلومات المتداولة في البلاد مضخّمة ومبالغ فيها، ولا صحّة لوجود مجموعة انتحارية تمّ تدريبها وتجهيزها لتنفّذ عمليات انتحارية في لبنان».
وكشفَ المصدر معلومات عن وجود شاحنة محمّلة بكمّية كبيرة من المتفجّرات، مشيراً الى أنّ تقاطع المعلومات بين الأجهزة اللبنانية والاستخبارات الأجنبية أكّد وجود شبكات وخلايا إرهابية تنوي تنفيذ تفجيرات عدة في لبنان. لكنّ المصدر أكّد في المقابل «أنّ الإجراءات الاستباقية والوقائية والتعاون والتنسيق بين الاجهزة الامنية تساعد على ضبط الوضع وعرقلة المخططات، وهي مستمرّة بأقصى درجاتها». وقال: «لم تعُد المشكلة في عبور السيارات المفخّخة عبر الحدود اللبنانية ـ السورية، لأنّ المعلومات التي تصلنا تشير الى انّ أماكن التفخيخ موجودة في لبنان. وأكّد «أنّ إعلان دولة الخلافة لا تشكّل تهديداً للبنان بمقدار ما تشكّل تهديداً للدول المجاورة لأماكن وجود «داعش» والبيئات السنّية، أكثر ممّا تشكّل إحراجاً لحزب الله وتهديداً له».
وفي هذا السياق أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره أمس أن «لا جديد في الملفات المطروحة وعلى رأسها ملف الاستحقاق الرئاسي، وكرّر التأكيد على ضرورة التركيز على الاستثمار في الأمن، لأنه الطريقة الوحيدة لحفظ بلدنا، ولدعم الجيش والقوى الأمنية».
وردّاً على سؤال حول ملف الجامعة اللبنانية قال برّي «إنّ ملف تفريغ الاساتذة يجب أن يكون محصوراً بمجلس الجامعة، وعلى الحكومة أن تعيّن هذا المجلس ليتولّى هذه المهمة، وبهذه الطريقة يتمّ إبعاد هذا التفريغ عن المحاصصة».
مرجع أمني لـ«الجمهورية»
وتعليقاً على بيان «لواء أحرار السنّة ـ بعلبك» قال مرجع امني لـ«الجمهورية» إنّه «لم يثبت لدينا وجود تنظيم بهذا الإسم ولا «فيشة» له» على رغم تبنّيه عدداً من عمليات التفجير الإنتحارية منذ تفجير حاجز الجيش على جسر العاصي في الهرمل وإطلاق الصواريخ التي استهدفَت قرى البقاع وصولاً الى اغتيال احد مسؤولي «حزب الله» حسّان اللقيس في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليظهر أنّ هناك جهاتٍ أخرى أيضاً نفّذت العملية، ومنها الموساد الإسرائيلي». وأكّد المرجع أنّه «في كلّ الحالات لا يمكننا تجاهل الموضوع. وإنّ الجهود منصبّة للبحث عن هذا التنظيم، لاكتشاف الجهة التي تقف وراءه، سواء أكان إسماً وهمياً أم لا، وربّما كان تنظيماً جديداً، فالعملية لا تحتمل المزاح ولا الإهمال على الإطلاق».
لقاءٌ في المطرانية
وقد فرضَت هذه التهديدات اجتماعاً عاجلاً عُقد في مطرانية بعلبك للروم الكاثوليك ضمّ المطران الياس رحال، والمفتي الجعفري الشيخ خليل شقير، ومفتي بعلبك – الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، ورئيس وأعضاء بلدية بعلبك ومخاتيرها. وأكّد المجتمعون «وحدة أبناء بعلبك بكلّ طوائفهم وأطيافهم ومكوّناتهم»، وأجمعوا على «رفض بيان «لواء أحرار السنّة» لأنّه «لا يمثّل لا السنّة ولا غير السنّة في بعلبك».
أبو خاطر لـ«الجمهورية»
وقال رئيس كتلة «نوّاب زحلة» النائب طوني ابو خاطر لـ»الجمهورية»: «إنّ من يطلق هذه البيانات لا هوية واقعية له على الارض، وما يحصل عملٌ مخابراتي، لا نريد التفتيش عن هويتهم، ولا إلى أيّ جهاز يتبعون، ما نريد تأكيده هو أنّ منطقتنا تمثّل القاعدة والمثال للتعايش، ولقد خرجتُ لتَوّي من إفطار للأزهر في مجدل عنجر، نشارك السنّة في مناسباتهم وهم كذلك، ونعتبر أنّ مصيرَنا مشترك وهواجسنا مشتركة، وإذا شاءَ طرف ما تهديدَ طرف آخر فمعناه أنّه يهدّد الجميع ويهدّد الصيغة والنسيج، هذه أجهزة تريد الاصطياد في الماء العكِر» .
وإذ استبعد أبو خاطر حصول أيّ شيء، أكّد أنّ «الرهان الاوّل والاخير يبقى على القوى الامنية والتنسيق في ما بينها، وقد أثبتَت جميعاً جدارة وفاعلية». وأضاف: «لا نستطيع القول إنّنا نعيش في مقاطعة سويسرية، فالشرق الأوسط كلّه على فوهة بركان والمسيحيّون هم أوّل من قدّموا شهداء، فلا داعي للهلع، لكنّ اليقظة الدائمة مطلوبة، والقوى الأمنية تنتشر دائماً حول المراكز الدينية في المناسبات».
الرفاعي
وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب كامل الرفاعي لـ»الجمهورية»: «إنّ تنظيم «لواء أحرار السنّة» غير موجود إطلاقاً، وهناك من يخترعه منذ فترة، يدّعي تمثيل السنّة ولكن لا علاقة له بهم، فأهل السنّة في المدينة لا يرضون إلّا بالدولة، ولا سقف لهم إلّا الدولة، وهم مع القوى الامنية في كلّ إجراءاتها، وضدّ التطرّف والإرهاب. والطائفة السنّية في بعلبك ليس فيها تطرّف، فهي تاريخيّاً منفتحة ولا تزال، وتؤمن بالشراكة وعدم التعصّب».
وأكّد الرفاعي «أنّ السنّة والمسيحيين في المدينة يدٌ واحدة وبيت واحد، ووجود المسيحيين فيها ضروري، وهم يمثّلون حالة حضارية في تاريخها». وأضاف: «يحاولون إثارة الفتنة في أيّ منطقة توجد فيها أقلّيات، وتوجد في بعلبك أقلّية سنّية وأقلّية مسيحية، وهؤلاء يحاولون من خلال بياناتهم غير الصحيحة الإيحاء بأنّ هناك نوعاً من التطرّف، لكنّنا على أتمّ الوفاق بعضنا مع بعض».
عطاالله لـ«الجمهورية»
وأكّد راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران سمعان عطاالله لـ»الجمهورية»، أن «لا جوّ هلع وخوف هنا، كما يُشاع في الإعلام في بيروت والمناطق، فالوضع عاديّ وغير متأثّر». وتحدّث عن «تحرّكات تحصل في هذا الإطار على صعيد المفتين والمطارنة في المنطقة. وقد زار مفتي السنّة على سبيل المثال، المطارنة وتشاوروا في مسألة تهديدات «لواء أحرار السنّة ـ بعلبك»، وأعلن المفتي استنكار الطائفة لهذه التهديدات، مؤكّداً أن لا اتّصالات مع هذه المجموعة ولا أدلّة حتى على وجودها، فمن غير المعلوم حتى الساعة أكانوا وهميّين أو من المخابرات».
وإذ لم ينفِ عطاالله «تأثير الأجواء غير المريحة التي يخلقها هؤلاء على المواطنين، خصوصاً أنّ تصرّفات هذه المجموعة في كلّ من سوريا والعراق لا تُطمئِن»، دعا «شعبَنا الى عدم الخوف» وإلى «الحفاظ على صمودهم وثباتهم، والاتّكال على الله»، مشيراً إلى أنّها «مناسبة لنتمسّك بأرضنا، وللاتّحاد في ما بيننا أكثر فأكثر على هذا الصعيد. فهذه الوحدة تقوّينا وتعطي لشهادتنا صدقيّة. فقد اخترنا أن نكون مسيحيّين، ومن خلال اختيارنا هذا، يجب أن نعيَ رسالتنا وشهادتنا. والله معنا وهو يدبّرنا».
مفتي بعلبك لـ«الجمهورية»
من جهته، مفتي بعلبك – الهرمل الشيخ بكر الرفاعي وصفَ البيانات والدعوات الصادرة بأنّها مشبوهة، وقال لـ»الجمهورية»: «جُلتُ على مطران بعلبك للروم الكاثوليك الياس رحال ومطران الموارنة في بعلبك سمعان عطاالله، وأكّدنا أنّنا لن نسمح في مدينة بعلبك التي تمتدّ حضارتها منذ آلاف السنين لبعض الأشخاص الموتورين بتعكير الأجواء. فالوجود المسيحي في هذه المدينة يسبق الوجود الإسلامي، وعندما كان الدين الإسلاميمنتشراً، حافظَ المسلمون على الكنائس وعلى المسيحيين، وظلّ التعايش آمنا دائماً، وإنّ الدعوات الصادرة لهدمِ الكنائس وحرقِها هي دعوات مشبوهة، وكأنّها تريد القول إنّ ما يصدر في العراق وسوريا ضدّ المسيحيين له صدى في منطقة بعلبك، بعدما حاولوا بداية الدخول في الموضوع السنّي ـ الشيعي، وقد صدرت بيانات عدّة في هذا السياق، لكنّها لم تصل الى نتيجة فانتقلوا إلى أمر آخر». وأضاف: «المخيف في الأمر أنّه إذا حصل شيء ما في المستقبل، أن يكون هذا الشعار عنواناً يختبئ خلفه البعض، لكنّ الدين الإسلامي والدين المسيحي براءٌ من تصرّفات وتصريحات كهذه، ونحن نعتبر أنّ أمنَنا من أمن أخينا المسيحي، وأمنُ أخينا المسيحي من أمنِنا، لا أستطيع إعطاءَه ضمانات ولا هو يستطيع، فضماناتنا واحدة، لذلك «يللي بيصير عليه بيصير عليّي»، وإذا كان هو في مأمن فأنا في مأمن، والاعتداء على الكنيسة هو اعتداء على الجامع، والاعتداء على المطران هو اعتداء على المفتي والعكس صحيح».
وهل ترى أنّ دعم المسيحيين والمسلمين بعضهم لبعض كافٍ لجَبهِ التهديدات، خصوصاً إذا تبيّن أنّها جدّية؟ فأجاب: «أنشَأنا لجنة حوار إسلامية ـ مسيحية دائمة، لأنّنا نتصرّف بردّة فعل وليس بفعل، فنحن دائماً خاضعون لردّات الفعل، وهذا خطأ، يجب ان يكون عندنا دوماً رؤية لما هو مقبل علينا، لأنّه ليس جيّداً أبداً، وطالبنا بدعم التماسك الاسلامي ـ المسيحي في المنطقة واحتضانه سياسياً لدى أعلى المواقع في الدولة، وأن تكون هناك جدّية في التعاطي، بحيث يشعر كلّ مواطن انّه في مأمن».
تحقيقات «نابوليون» و«دو روي»
وتوقّعَت مصادر قضائية لـ»الجمهورية» أن يتسلّم القضاء العسكري في خلال الساعات المقبلة ملفّات التحقيق مع الاشخاص الذين قبضَ عليهم في فندقَي «نابوليون» و«دو روي» وفنيدق، إلّا أنّ تسلّم هذه الملفّات لا يعني أنّ التحقيق مع هؤلاء قد انتهى، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ هذه القضايا الثلاث مترابطة، وقد يؤدّي التوسع بالتحقيق فيها إلى كشف مزيد من الخلايا الإرهابية الموجودة في لبنان.
وأشارت المصادر القضائية نفسها إلى أنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر يتّجه، خصوصاً في ملفّ شبكة فندق «دو روي»، إلى توسيع التحقيق من خلال تسليم الإنتحاري الحيّ عبد الرحمن الشنيفي إلى مخابرات الجيش للتحقيق معه في بعض الخيوط التي قد توصِل إلى إنتحاريين ما زالوا في لبنان، بالإضافة إلى محاولة كشفِ هويّة عبد العزيز عبد السلام الأمير المفترض لـ»داعش» في لبنان.
وأكّد مطلعون على هذه الملفّات لـ»الجمهورية» أنّ ما تضمَّنته من معلومات يحتاج إلى تقاطع بين الأجهزة التي تتولّى التحقيق فيها، إذ إنّ الأمن العام يحقّق مع الشنيفي، وشعبة المعلومات تحقّق مع الفرنسي المتحدّر من جزر القمر، ومخابرات الجيش تحقّق مع مجموعة فنيدق. ولفتَ هؤلاء إلى أنّ هذه العملية قد تكشف مزيداً من المعطيات التي يمكنها المساهمة في إحباط عمليات كان قد خطّط لها.
تراجع تكتيكي
وفي هذا الإطار، قالت مصادر أمنية لـ»الجمهورية»: «إنّ الهدوء الذي يسود منذ أيام، ليس سببه عدول التنظيمات الإرهابية عن تنفيذ عمليات مخطّط لها في لبنان، إلّا أنّها بحسب المعلومات، تعيد النظر في سُبل تحرّكها وحماية أفرادها وأماكن الدعم اللوجستي، بهدف جعلها أكثر أماناً من تحرّكات الأجهزة الأمنية التي وجَّهت لهذه التنظيمات ضربةً قوية من خلال كشفِ خليّة «دو روي» ومنسّق العمل بين خلايا «داعش» المنذر الحسن، ما أدّى إلى وضع كلّ العمليات التي كان مخطّطاً لها على محكّ الفشل بالنسبة للإرهابيين الذين قرّروا، على ما يبدو، التراجع تكتيكيّاً تمهيداً لهجوم يتوقّع الأمنيّون «أن يكون أقوى وأوسع ممّا حصل».
مجلس الوزراء
من جهة ثانية أصدرَ مجلس الوزراء أمس، بصفته مَنوطةً به صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالةً، نحو 150 مرسوماً وقّعَها جميع الوزراء، وبحثَ في مواضيع مُثارة من خارج جدول الأعمال، وناقش ملفّ النازحين السوريين، على أن يعقد جلسةً جديدة الخميس المقبل. وإثر الجلسة، شدّد وزير الإعلام رمزي جريج، على أنّ «همَّنا الأوّل يبقى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت». ولفتَ إلى أنّ «مجلس الوزراء سبقَ له أن أقرّ خطة لمعالجة ملفّ النّازحين السوريين، وكلّف الوزراء المعنيّين متابعتَها، ومن ضمنِها إنشاء مخيّمات على الحدود أو في الأراضي اللبنانية أو السورية، ولا بدّ من مباشرة تنفيذ هذه الخطة».