IMLebanon

إسرائيل تسأل عن الحرب المقبلة: هل يحتل حزب الله الجليل؟

«لماذا بدأ حزب الله فجأة يهدد باحتلال الجليل؟». سؤال مطروح بقوة في الأوساط العسكرية الاسرائيلية، وفق دراسة نشرت أخيراً تطرح تصوراً مغايراً للمنطق القتالي المرجح الذي سيعتمده حزب الله في الحرب المقبلة. وتشدّد الدراسة على ضرورة أن «تعطي إسرائيل الوزن المناسب لهذه التصريحات رغم أنها قد تبدو غير واقعية»

«كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة؟». سؤال يشغل بال الجيش الإسرائيلي منذ الأيام الأولى التي تلت حرب لبنان الثانية (تموز ــ آب 2006). فبالنسبة إلى هذا الجيش، لا يكمن التحدي المتعلق بمحاولة الإجابة عن هذا السؤال في بناء القدرات والخطط العسكرية التي يُراهن على أن تحقق له الانتصار، بل في استشراف القدرات والخطط المقابلة التي يُعدّها حزب الله بما تنطوي عليه من مفاجآت يَعدُ بها، علماً بأن اندلاع مواجهة مع حزب الله لا تزال، وفقاً للتقديرات الاستخبارية الإسرائيلية

، ليس فقط الأكثر احتمالاً، بل أيضاً الأكثر إثارة للقلق، وفقاً لما ذكرته صحيفة هآرتس أمس، وذلك رغم توازن الردع المتبادل الذي أرسته الحرب الأخيرة على الجبهة اللبنانية عام 2006، إذ «يكفي أن ننظر في أحداث السنة الأخيرة ـــ هجوم جوي على قافلة سلاح في لبنان واغتيال مسؤول كبير من حزب الله تنسبه المنظمة الى إسرائيل، وتهديدات قيادة حزب الله، وتفجير عبوة ناسفة كبيرة في مزارع شبعا وسلسلة عمليات في هضبة الجولان تظن إسرائيل أن حزب الله له صلة بها ـــ ليشهد كل ذلك بأن الهدوء على الحدود لن يستمر بالضرورة زمناً طويلاً».

لكن عندما ينتهي هذا الهدوء، كيف ستبدو المواجهة إذا نَشَبت؟ أو بعبارة أخرى: «لماذا بدأ حزب الله فجأة يهدد باحتلال الجليل؟»، بحسب عنوان التقرير الذي كتبه أمس محرر الصحيفة للشؤون العسكرية عاموس هارئيل، مشيراً بذلك إلى الوجه الآخر للسؤال الأساسي المتعلق بشكل الحرب المقبلة.

وبحسب هارئيل، فإن «الفكرة المقبولة في الجيش الاسرائيلي هي أن حزب الله سيرغب في تكرار الاستراتيجية التي ضمنت له ما يشبه التعادل مع إسرائيل في حرب 2006، وهي الانتصار بواسطة عدم الهزيمة». ويوضح أن «حزب الله يرى أنه قد انتصر في الحرب بفعل حقيقة أنه استمر في إطلاق الصواريخ على إسرائيل طوال 33 يوماً ولم يرفع الراية البيضاء في مواجهة تقدم قوات الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. ولهذا فإن من المنطقي أن يرغب حزب الله في المرة التالية أيضاً في تكرار ذلك الإنجاز بأن يخوض حرب استنزاف ويطلق عشرات آلاف الصواريخ لفترة طويلة نسبياً ويعوق في الوقت نفسه عمل الجيش الاسرائيلي داخل لبنان، ليمنع إسرائيل من نصر حاسم».

إلا أن هارئيل يعرض مضمون دراسة نشرت أخيراً في مجلة «معرخوت» التي يصدرها الجيش الإسرائيلي تطرح تصوراً مغايراً للمنطق القتالي المرجح الذي سيعتمده حزب الله في الحرب القادمة. والدراسة أعدّها ضابط في شعبة الاستخبارات العسكرية عرّفت عنه المجلة باسم «المقدم ن»، وهي تتمحور حول إثارة احتمال «أن يكون حزب الله غيّر استراتيجيته» وأنه «يفكر في تقصير مدة المواجهة في المرة القادمة من خلال عمليات برية داخل إسرائيل». ويستند «المقدم ن» في تحليله إلى جملة أدلة، من بينها «التصريحات المستجدة نسبياً لقيادة الحزب بشأن خطط لاحتلال الجليل». وشدّد على ضرورة أن «تعطي إسرائيل الوزن المناسب لهذه التصريحات التي قد تؤشر على مقاصد قيادة الحزب، رغم أنها قد تبدو مغرورة وربما غير واقعية».

وبحسب السرد التحليلي لضابط الاستخبارات الإسرائيلي، فإن «استراتيجية «النصر بواسطة عدم الهزيمة» التي اعتمدها حزب الله عام 2006 عكست فهماً عميقاً لدى الحزب للتفوق الإسرائيلي التقني والاستخباري والجوي». وفي الموازاة «أدرك حزب الله أيضاً نقاط ضعفنا، وهي الحساسية الشديدة للإصابات على جانبي المتراس، وعدم الرغبة في خوض معارك طويلة والحاجة إلى إحراز نصر حاد وواضح. ولذلك أراد حزب الله أن يُطيل القتال وأن يُظهر حقيقة أنه صمد فيه حتى النهاية».

يجب الاستعداد لإمكانية أن ينفّذ حزب الله هجوماً مفاجئاً لمحاولة إنهاء الحرب قبل أن تبدأ

على هذا الأساس، قام حزب الله بترجمة هذه الأفكار إلى «ثلاثة مبادئ عملية، هي: تحسين القدرة على التحمل والصمود (الاختباء في الملاجئ والقرى و«المحميات الطبيعية» في المناطق المفتوحة)، وضرب الجبهة الداخلية المدنية الاسرائيلية وبناء قدرة على إعاقة تقدم الجيش الاسرائيلي (عبر العبوات الناسفة والصواريخ المضادة للدروع)».

لكن حزب الله، كما يلاحظ المقدم ن، «بدأ في عام 2011 يُعبّر عن فكرة تتجاوز استراتيجية الاستنزاف». وعرض ضابط الاستخبارات عدة مؤشرات على استنتاجه، منها: نشر الموقع الرسمي للحزب تقريراً بعنوان «الجليل ـــ مكان المواجهة التالية مع العدو»، وهو، بحسب الكاتب، «شبه خطة عملياتية لاحتلال الجليل تشمل وصف تضاريس الجليل والمدن المركزية فيه وأهدافاً يمكن الهجوم عليها. وبعد ذلك بعام هدد الامين العام لحزب الله حسن نصرالله في عدد من الخطب بأنه سيأمر مقاتليه بـ«احتلال الجليل». وفي آب 2012 جرت مناورة كبيرة لحزب الله بمشاركة نحو 10 آلاف مقاتل. وجاء في الصحف اللبنانية أن المناورة اشتملت على سيناريو هجوم على الجليل».

ورأى الكاتب أن «السؤال الذي يجب أن يُسأل ليس هل حزب الله قادر على تنفيذ هذه الأفكار، بل ما الذي تدل عليه حقيقة أنه مشغول بها؟»، داعياً إلى ضرورة التعامل معها بوصفها «إشارة تحذير تشهد على تغيير الاستراتيجية القتالية عند حزب الله، من محاولة إطالة مدة المعركة الى محاولة تقصيرها بقدر المستطاع».

وينسب المقدم ن في دراسته هذا التغيير إلى «التحولات الجوهرية التي حدثت في المحيط الاستراتيجي الذي يعمل فيه الحزب»، ومنها تحول حزب الله إلى «منظمة مؤسسية تشارك بفعالية في الساحة السياسية داخل لبنان وخارجه»، الأمر الذي «يلقي عليه مسؤولية عمّا يحصل للبنان إذا هاجمته إسرائيل». ومن هذه التحولات أيضاً أن حزب الله أصبح «أقل إيماناً بإمكان أن يتدخل المجتمع الدولي لوقف الحرب»، إضافة إلى أن الحزب «فقد سنده السوري وصار عليه أن يقسم جهوده بين الحرب في سوريا وصراع العصابات المسلحة التي تعمل ضده، والحرب مع الجيش الإسرائيلي».

ويشير الكاتب إلى «جانب إيجابي» حقّقه الحزب من مشاركته في الحرب السورية وهو أنه «حشد تجربة كبيرة في المعارك، وهو قادر على أن يستعمل الآن أطراً قتالية أكبر ووسائل أكثر تعدداً». وعلى أساس ذلك، يرى الضابط الإسرائيلي أن «المشاركة في الحرب السورية تُقرّب المنظمة من تبنّي استراتيجيات هجومية في الحرب مع إسرائيل أيضاً. ومعنى ذلك أن حزب الله قد يسعى الى مواجهة عسكرية من نوع مختلف. فبدل الرد على المبادرة الإسرائيلية ومواجهة الطوفان، يعمد إلى مبادرة هجومية واجتياحات برية وهجوم أكثر تنوعاً على أهداف في داخل الأراضي الاسرائيلية».

ويخلص الكاتب إلى التأكيد على الآثار الجوهرية التي ستترتب على تغيير حزب الله لاستراتيجيته القتالية بالنسبة إلى إسرائيل: «الجيش الاسرائيلي سيضطر الى أن يأخذ في الحسبان إمكان أن يحاول حزب الله تقصير مدة المعركة بإقرار حقائق على الارض مثل اجتياح بلدة في الجليل، أو إعداد الجبهة الداخلية لهجوم مركز على الحدود، والاستعداد أيضاً لإمكانية أن يختار حزب الله بدء المواجهة العسكرية بهجوم مفاجئ قد يكون محاولة لإنهاء الحرب قبل أن تبدأ بالفعل».