IMLebanon

إسرائيل وحربها على غزة: أين المخرج؟

مفاجآت المقاومة طائرة استطلاع ورسائل هاتفية وخرق البث التلفزيوني

إسرائيل وحربها على غزة: أين المخرج؟

حلمي موسى

وفي اليوم السابع لحرب «الجرف الصامد» انطلقت الصواريخ والقذائف، ليس من غزة وحسب، بل أيضا من الجولان ولبنان، لتجعل إسرائيل بأسرها من الشمال إلى الجنوب دفعة واحدة تحت النيران.

وتُظهِر المقاومة في غزة ليس فقط ثباتها الميداني من خلال الحفاظ على قدرة الرد وتنفيذ عمليات برية ضد مدرعات العدو، بل أيضا باستخدام طائرة من دون طيار في مهمة استطلاعية تسقطها إسرائيل بصواريخ «باتريوت» مقابل أسدود. ويزداد الضغط الإسرائيلي على الجمهور الفلسطيني في القطاع، حيث سقط أكثر من 185 شهيدا و1300 جريح، لتسهيل إنضاج التوصل إلى وقف لإطلاق النار، في ظل تعاظم التذمر في الأوساط الإسرائيلية جراء الضائقة النفسية والخسائر الاقتصادية.

ولوحظ أن إسرائيل في اليوم السابع حاولت، عبر نشر حصيلة المعركة من وجهة نظرها، الإيحاء للإسرائيليين بأن الدمار الذي لحق بحركة «حماس ينضجها» للقبول باتفاق لوقف النار يقوم على أساس العودة إلى تفاهمات «عمود السحاب».

وأعلن ضابط رفيع المستوى أن المقاومة أطلقت حتى الآن أكثر من 1050 صاروخا على إسرائيل، وأن الجيش دمر حوالي ثلاثة آلاف صاروخ في المخازن وعلى المنصات. ولكن ما تبقى لدى «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بشكل أساسي يصل إلى حوالي خمسة آلاف صاروخ آخر. وحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية فإن 50 في المئة من ورش إنتاج الصواريخ قصفت، وأنه لم يبقَ لدى «حماس» إلا «55 في المئة من ترسانة الصواريخ» التي كانت لديها قبل «الجرف الصامد». ورغم تباهي الجيش الإسرائيلي بهذه الأرقام، إلا أن ذلك يشير، على الأقل، إلى وجود مخزون كبير من الصواريخ يسمح للمقاومة باستمرار الرد لأسابيع مقبلة.

وقد تزايدت في اليومين الأخيرين عمليات استهداف المقاومة لدوريات ومكامن الجيش الإسرائيلي على حدود قطاع غزة باستخدام صواريخ «كورنيت» المضادة للدروع. ويرمي هذا الاستخدام للإيحاء للجيش الإسرائيلي بترحيب المقاومة بأي تقدم بري في إطار العملية الواسعة التي يجري الحديث عنها منذ أيام. كما أخرجت «كتائب القسام» من جعبتها مفاجأة الطائرة من دون طيار، التي لم تجد إسرائيل وسيلة لإسقاطها إلا عبر استخدام بطارية صواريخ «باتريوت».

وبدا أن «القسام» مرتاحة في اختيارها للوسائل التي تستخدمها ضمن خطة معينة لها أيضا أهداف معنوية. وليس صدفة أن «كتائب القسام» أفلحت تقنيا في السيطرة على البث الفضائي للقناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، وبثت عليها أشرطة باللغة العبرية ترحب بالمعركة البرية، وتحذر أهالي الجنود من الجحيم الذي سيلقاه أبناؤهم إن خاضوا هذه المعركة.

كما بعثت «القسام» برسالة نصية بالعبرية إلى هواتف نصف مليون إسرائيلي ذكرت فيها إن «غباء حكومتكم التي دخلت في معركة ضدنا من دون أهداف جعل كل إسرائيل تحت النار وكل الإسرائيليين إلى الملاجئ. سنواصل قصف كل مكان في إسرائيل حتى تلبى جميع شروطنا المشروعة».

ورغم استمرار الغارات الجوية والقصف المدفعي والبحري، وعلى نطاق واسع في أرجاء مختلفة في القطاع، مع تركيز على منطقة الشمال قرب بيت لاهيا، فإن دفق الصواريخ المنطلق من غزة لم يتوقف. وتقريبا، وحسب ما أعلن في التلفزيون الإسرائيلي، فإن صلية تنطلق من غزة باتجاه مناطق قريبة وبعيدة كل عشرين دقيقة. وتعمل هذه الصليات، ليس فقط على إيقاع أضرار مباشرة، وإنما أيضا على شل الحياة الاعتيادية في كل مواقع سقوطها.

وتقريبا حافظت المقاومة في غزة، وعلى رأسها «كتائب القسام» و«سرايا القدس» على وتيرة إطلاق صواريخ في الأيام الأخيرة لا تقل عن 100 صاروخ يوميا. وإذا أخذنا بالحسبان ما أعلنه الجيش الإسرائيلي عن سقوط 1050 صاروخا، فإن ذلك يعني أن متوسط الإطلاقات من غزة هو 150 صاروخا يوميا. وملاحظ أن المقاومة تكثف إطلاقاتها بعد أن يكثف العدو غاراته، وتحاول تخفيف الإطلاقات عندما يخفف غاراته.

كما بدا أن الأيام الأخيرة صارت تشهد إصابات مباشرة في البيوت والمناطق المأهولة أكثر من الأيام الأولى. ومن الجائز أنه تقف خلف ذلك أسباب، بينها زيادة الخبرة واستقرار العزم. وهذا يخالف ما يحاول الجيش الإسرائيلي إشاعته عن إنهاك المقاومة وتناقص مخزونها، خصوصا أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تؤكد أن الغالبية الساحقة من الصواريخ التي تطلق على إسرائيل هي من صنع محلي.

ولكن الجيش الإسرائيلي يطلق العنان لنفسه لإظهار إنجازات بسبب الانتقادات التي يتعرض لها من أوساط شعبية وسياسية على حد سواء. وقد تبين، أنه خلافا لادعاءات الأيام الأولى، فإن كثافة النيران ليست أشد مما في «عمود السحاب»، وسيتأكد لاحقا أيضا أن أثر الضربات الإسرائيلية على «حماس» أيضا أقل مما كان في «عمود السحاب». وهناك من يشير إلى أن الخلافات في إسرائيل لا تتلخص فقط داخل المجلس الوزاري المصغر والحكومة، وهي خلافات تبرز بين الحين والآخر إلى العلن، وإنما بين المستويين السياسي والعسكري وداخل المستوى الأمني. وفيما لا تزال هناك أقلية في الحكومة تطالب بعملية برية، فإن الغالبية تتحدث حاليا عن خلاف ليس بين مؤيدي العملية البرية ومعارضيها، لكن بين مؤيدي التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار وبين المطالبين بوقف من طرف واحد من دون اتفاق.

وأعلن ضابط في الأركان العامة الإسرائيلية أن «حماس» باتت ناضجة للإعلان عن وقف إطلاق النار. وقال: «إننا نتواجد في نوع من وقف المساومة، حيث انهم في حماس يريدون العودة بإنجاز، والطائرة التي أرسلوها هي من صنف الإنجازات». وحسب هذا الضابط، فإن الاحتمالات عالية بأن توافق «حماس» و«الجهاد الإسلامي» على «إبرام هذه الصفقة» وإنهاء العملية العسكرية.

لكن المسألة ليست تقديرات هذا الضابط أو ذاك، بل ما يجري فعلا على أرض الاتصالات من أجل وقف إطلاق النار. ومعروف أن وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير وصل إلى المنطقة عارضا وساطته. كما أن أميركا سبق وأعلن رئيسها باراك أوباما استعداده للمساعدة في التوصل إلى اتفاق لوقف النار حسب تفاهمات «عمود السحاب». وأعلنت الخارجية المصرية أن وزير الخارجية الأميركية جون كيري سيصل اليوم إلى القاهرة من أجل بحث هذه المسألة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومعروف أن كيري والاميركيين، يحثون مصر على تكثيف اتصالاتها من أجل وقف إطلاق النار.

غير أنه كان لافتا تأكيد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عدم وجود مخطط لدى كيري لزيارة القاهرة. وهذا يعني في نظر المراقبين أن الأمور غير ناضجة، وأنه لو كان هناك اتفاق لوقف النار لهرع من أجل إثبات أن لأميركا دورا في التوصل إليه. كما لوحظ أن الخارجية الإسرائيلية أكدت عدم علمها بوجود نية لدي كيري لزيارة تل أبيب. ودعا البيت الأبيض إسرائيل إلى عدم شن هجوم بري على غزة، معتبرا انه يمكن أن يعرض حياة المزيد من المدنيين للخطر، برغم تأكيده «حقها بحماية مدنييها من الهجمات الصاروخية».

ومع ذلك، من الواضح أن كلا من «حماس» وإسرائيل تريدان التوصل إلى اتفاق أساسه تفاهمات «عمود السحاب» ولكن مع إضافات. فتفاهمات «عمود السحاب» من دون إضافات لمصلحة إسرائيل تعني أن الحرب لم تحقق شيئا، وهو ما لا يرضي اليمين. ولذلك فإنها تطالب بنوع من «تجريد غزة من الصواريخ» أو «خصي قدرة غزة على إنتاج الصواريخ» و«تدمير الأنفاق بين غزة وإسرائيل». و«حماس» من جانبها تريد إضافات، بينها تأكيد فتح معبر رفح وتنفيذ خطط إعمار غزة، وتسهيل عمل «حكومة التوافق» والإفراج عن محرري صفقة جلعاد شاليت وقيادات «حماس» في الضفة. وبديهي أن إسرائيل و«حماس» تكتفيان بتحقيق اتفاق يضمن، ولو جزءا من هذه الإضافات، وإلا يتعذر التوصل إليه أصلا.

وكما سبق، فإنه ورغم تعدد الجهات التي تدفع باتجاه الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإن مصر هي الجهة الوحيدة التي لا تزال قادرة على أداء دور. ومن الجائز أن لعب القاهرة لدورها مرهون بدرجة معينة بتغيير موقفها، ولو جزئيا من حركة «حماس»، إذ يصعب على مصر لعب دور الوسيط مع جهة أعلنت عنها رسميا طرفا معاديا.

ويمكن لمصر أن تلعب هذا الدور إذا قفزت عن البعد السابق بتجاهله والتركيز على فتح معبر رفح. ولهذا فإن ما تسرب من أنباء عن مبادرة مصرية مساء أمس قد يكون مجرد محاولة في الهواء لإثبات أن القاهرة تفعل شيئا، وقد يكون أيضا إلقاء لسلم على الشجرة للطرفين لينزلا عنها.

وأعلنت الخارجية المصرية، في بيان، أن مصر تدعو «كلا من إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى وقف فوري لإطلاق النار»، مضيفة: «تحددت الساعة السادسة (طبقا للتوقيت العالمي) يوم 15 تموز لبدء تنفيذ تفاهمات التهدئة بين الطرفين، على أن يتم إيقاف إطلاق النار خلال 12 ساعة من إعلان المبادرة المصرية وقبول الطرفين بها دون شروط مسبقة».

وأضاف: «خلال 48 ساعة من بدء تنفيذ المبادرة، تستقبل القاهرة وفودا رفيعة المستوى من الحكومة الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية للتباحث بشأن تثبيت وقف إطلاق النار، على أن تجرى المباحثات مع كل طرف بشكل منفصل».

ودعت المبادرة المصرية إلى التزام إسرائيل «بوقف جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة براً وبحراً وجواً، مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين»، فيما نصت على أن تلتزم «الفصائل الفلسطينية كافة في قطاع غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل جواً، وبحراً، وبراً، وتحت الأرض، مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين».

كذلك تضمنت المبادرة أن يتم «فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية، في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض»، وعلى أن يلتزم الطرفان «بعدم القيام بأي أعمال من شأنها التأثير سلبا في تنفيذ التفاهمات»، وكذلك أن تحصل مصر على «ضمانات من الطرفين بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه».

وفي كل الأحوال، فإن أحدا في إسرائيل أو «حماس» لا يقول أن المعركة الجارية ستظل إلى ما لا نهاية، بل يبحث الجميع عن بوابة الخروج المشرف منها.