لم ينظر إسلاميّو لبنان، بمختلف أطيافهم، بإيجابية إلى إعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الخلافة الإسلامية، وتعيين أمير التنظيم إبراهيم البدري (أبو بكر البغدادي) خليفة، بل كان لافتاً شبه الإجماع بينهم على رفض هذا الإعلان، رغم أن أدبياتهم الدينية تعتبر استعادة أمر الخلافة «شأناً عظيماً». يوم إعلان الخلافة لم يكن في نظر الإسلاميين في لبنان «يوماً تاريخياً»، بُعثت فيه الخلافة الإسلامية مجدداً، بعد مرور نحو تسعين عاماً على إلغائها على يد الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك.
أكثر المعنيين بأمر الخلافة، وهو حزب التحرير، لكون إعادة إحيائها تأتي في رأس أدبياته السياسية، لم يخف رفضه لهذا الإعلان، لأن «إحياء الخلافة لا يكون بالدم والتكفير والتفجير»، وفق ما أوضح مدير مكتب الإعلام المركزي للحزب في لبنان عثمان بخاش الذي قال: «نحن معنيون بأمر الخلافة الإسلامية ومن المنادين بها، ووضعنا لهذه الغاية نهجاً معيناً هو نهج النبوة، وأن تفتح قلبها وأبوابها لكل الناس، المسلمين وغيرهم من المسيحيين واليهود، وليس أن تكون خلافة ودولة لا يتحمّل المسلمون فيها بعضهم بعضاً، يقتتلون في ما بينهم، فهذا أمر نرفضه نهائياً». ولفت إلى أن «نهج وممارسات بعض الجماعات الإسلامية اليوم أمر لا نوافق عليه، فالاقتتال الداخلي بنظرنا ليس سبيلاً صالحاً يؤدي إلى قيام دولة الخلافة، وتهديد المخالفين لقيام الخلافة بهذا الشكل أمر غير سوي، وقيام الدولة الإسلامية والخلافة لا يكون باعتبار كل مخالف مرتد يهدر دمه، فهم بهذا الأمر أعطوا أنفسهم صفة الخصم والحكم في آن واحد».
حزب التحرير المنادي بإقامة الخلافة رفض إعلان «داعش»: لا تكون بالدم والتكفير
بخاش الذي لم يستبعد تأييد أفراد للفكرة «لأن الخلافة حلم وأمنية كل المسلمين، وبعض البسطاء قد ينجرفون مع هذه الدعوة ويؤيدونها»، رأى أن «السياق السياسي لتنظيم «داعش» يحتاج إلى مراجعة، خصوصاً في سوريا، لأنه منذ نشأته لم يوجّه سلاحه إلى النظام السوري، بل رفع شعار «تحرير المحرر» ودخل في صراع مع المعارضة، لذلك نرى أن دعوته زعمٌ غير مسلّم به».
بدوره، أكد مسؤول المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية عزام الأيوبي لـ«الأخبار» أنه «لا نؤيد إعلان الخلافة بهذا الشكل، لا بل نعتبره جزءاً من محاربة الحالة الإسلامية في المنطقة، بشكل مباشر أو غير مباشر». وأشار إلى أن «من أعلن الخلافة تنظيم توضع عليه علامات استفهام كبيرة، خصوصاً لجهة أدائه، فهو يشوّه فكرة الإسلام ويختصرها بحالة تنفّر الناس من الدين». واستبعد إعلان أي تنظيم أو حركة إسلامية في لبنان «تأييد هذه الدعوة لقيام الخلافة»، لكنه توقّع في المقابل «إعلان بعض الأفراد حصراً ولاءهم للدعوة». وفي رأيه، «ما جرى هرطقة وغير منطقي، ودعوة لا تقوم على أسس ومقومات»، ما دفعه إلى التساؤل: «كيف يمكن إعلان الخلافة، والخليفة شخص لا يعرفه الناس ولا يستطيع أن يمشي في الشارع؟».
هذا الموقف المتحفظ من إعلان «داعش» الخلافة الإسلامية بهذا الشكل، أمر ينسحب كذلك على حركة التوحيد الإسلامي، إذ رأى أمينها العام الشيخ بلال شعبان أن قيام الخلافة الإسلامية «أمر يتمنى كل مسلم حصوله، لكن شرط أن تقيم هذه الخلافة وزناً للإنسان، وأن تحفظ له حياته ودينه وكرامته وعرضه، لأن مشروع الإسلام هو مشروع حياة وعدل وليس مشروع قتل وظلم، فهل هذا ما يحصل اليوم؟».
لكن شعبان الذي توقع أن «يقتصر دعوة الخلافة على تأييد أفراد فقط»، لم يخف قراءته وتحليله للموضوع بقوله: «أتمنى ألا يكون شكلاً من أشكال التنافس والصراع الدائر بين داعش من جهة، وتنظيم «القاعدة» وجبهة «النصرة» من جهة أخرى».
الرفض لإعلان «داعش» الخلافة لا يقتصر على «الإسلام السياسي» فقط، فالسلفيون لا يختلفون عنهم في الموقف، وإن كانوا يتوقفون عند بعض التفاصيل المحددة. فرئيس «جمعية الأخوة» الشيخ صفوان الزعبي يرى أن إعلان الخلافة «لم يستوف كامل شروطه، وتحديداً التمكين في الأرض، وتسمية أهل الحل والعقد للخليفة، ومبايعة المواطنين له، فهذه أمور مطلوبة لكن غير متوافرة».
ولفت الزعبي إلى أن إعلان الخلافة «خطأ وخطوة متسرعة، لأنها تفرّق وتقسّم المسلمين بدل أن توحدهم»، معتبراً أنه «لا يصح أن يفرض الخليفة نفسه وينتظر مبايعة الناس له على تعيينه، بل عليه أن ينتظر قرار أهل الحل والعقد على ذلك».
الشيخ السلفي الآخر وعضو «هيئة علماء المسلمين» نبيل رحيم علّق على إعلان «داعش» الخلافة بقوله: «إن مقومات قيام الخلافة الإسلامية ليست موجودة بعد، كما أنه لا يصح لهم إعلان إقامة الخلافة إلا بعد مشاورة أهل الحل والعقد في منطقتهم، وهذا لم يحصل، بل حصل العكس». ورأى رحيم أن «خطوتهم هي قفزة في الهواء، وهم بهذه الخطوة حرقوا المراحل وأضرّوا بالحالة الإسلامية».